يُصنف النظام الاقتصادي والصحي في اليمن من ضمن الأنظمة الأقل نمواً في العالم. تعاني المؤسسات الصحية المنهكة لتوفير أقل الخدمات الممكنة في بلدٍ ذا كثافة سكانية تُقدر ب ٣٤.٢٤ مليون نسمة. لمعظم الأسر، البقاء على قيد الحياة يعني اتخاذ قرارات صعبة كالاختيار بين توفير الأدوية الضرورية أو الوجبة التالية.
الدواء والرعاية الصحية المجانية هما شرطان مسبقان لخوض العديد من اليمنيين في رحلات وعرة للوصول إلى مراكز صحية يصعب الوصول إليها. هذا الأمر يشكل عقبات ومحن مرتبطة بحالة النزاع المسلح والأزمة الإنسانية المعقدة – والتي تُعد من ضمن أسوأ أزمات العالم.
مالكة علي، نازحة من الحديدة، أم وجدة من عائلة فقيرة لكنها في نفس الوقت في نمو مستمر. مصدر الدخل الوحيد لعائلتها هو العمل بالأجر اليومي.
"لا نستطيع سوى توفير وجبة واحدة في اليوم – إما الغداء او العشاء. لا يوجد لدينا مصدر دخل ثابت. أنا أرملة، ويجب عليّ العمل لأجل أطفالي"، تقول مالكة. "مقابل حمل ونقل الأحجار على ظهورهم، يجني أبنائي مبلغ ٢,٠٠٠ ريال في اليوم (ما يعادل ٣.٥٠ دولار أمريكي)، وفي بعض الأحيان لا يحصلون على شيء".
وفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي لعام ٢٠٢٢م التابع لصندوق النقد الدولي، فإن متوسط دخل اليمنيين من إجمالي الناتج المحلي يعادل ٨٧١.٥ دولار أمريكي للفرد – تاركاً العديد غير قادرين على تغطية تكاليف الوجبات اليومية، ناهيك عن الدواء.
لحسن الحظ، بإمكان مالكة وعائلتها الوصول إلى مؤسسة صحية لتلقي العلاج والدواء مجاناً لضمان حصولهم على الرعاية الصحية المنقذة للحياة.
"لما يقارب سبعة سنين وأنا دائماً آتي إلى مستشفى (رأس العارة) عندما يصيبني المرض"، تقول مالكة. "أبنتي تأتي هنا أيضاً لمراجعة حملها والحصول على الدواء اللازم – طفلها كذلك يأتي للحصول على اللقاح".
رحلات شاقة إلى المراكز الصحية
للعديد من اليمنيين، يقترن الوصول إلى المراكز الصحية بالسفر الطويل عبر طرق خطيرة ووعرة، خصوصاُ للنساء والفتيات. في أفضل الأحوال، يجمع البعض أموالهم القليلة مع غيرهم ممن يريدون الذهاب إلى المستشفى لمشاركة تكاليف المواصلات. طلب التوصيل من العربات العابرة، رغم المخاطر المترتبة عليه، يُعد السبيل الوحيد للعديد من اليمنيين للوصول إلى المراكز الصحية. وفقاً لوثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية لعام ۲۰۲۳م، فإن أكثر من ٤٢ في المائة من اليمنيين يضطرون للسفر لساعة على الأقل للوصول إلى أقرب مستشفى حكومي، وهذا المستشفى قد يكون يعمل كلياً وقد يكون متوقف جزئياً.
أسماء علي، يمنية حامل في شهرها الرابع وأم لطفلان، تعرف جيداً بأن الدواء والخدمات المجانية هي السبيل الوحيد لتحصل هي وعائلتها على أي خدمات صحية.
"يصعب عليّ الوصول إلى المستشفى. أحياناً أضطر إلى طلب المواصلات من السيارات العابرة، وأحياناً لا يمكنني الوصول إلى هانا"، تقول أسماء. "لكن الخدمات هنا مجانية – الفحوصات، فحص السونار، والدواء – جميعها مجانية! هذا هو المكان الوحيد الذي يمكننا الحصول فيه على المساعدة – لا يمكننا بأي حال من الأحوال تحمل تكاليف السفر إلى عدن [أقرب مدينة رئيسية]، أو السفر إلى أي مكان آخر".
طبيبة تحقق حلم طفولتها
الطبيبة بارية عوض، طبيبة توليد وأمراض النساء في مستشفى (رأس العارة) في جنوب اليمن، تحقق حلم طفولتها.
"منذ طفولتي وأنا أريد أن أكون طبيبة"، تقول بارية. "والدي صيّاد سمك وكان دائماً يحضرنا معه في إجازتنا الصيفية لتمضية الوقت بينما يبحر هو للصيد. لم يكن في هذه المنطقة [الريفية] أي مرافق صحية في حينها. الآن، أفخر بكوني الطبيبة الوحيدة هنا، لأن هذا يعني أن نساء هذه المنطقة لن يتوجب عليهن إنجاب أطفالهن في المنزل، أو حتى السفر للمستشفيات في عدن – التي تبعد بمسافة ١٨٠ كيلو متر من هنا".
وبحسب المسح الوطني الذي قامت به وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن للعام ٢٠١٣م حول خدمات الأمومة والطفولة المنقذة للحياة، فإن ٤٥ في المائة فقط من الولادات في اليمن تتم بمساعدة مقدمي خدمات صحية مدربين، بينما أقل من ثلث هذه الولادات تتم في مرافق صحية.
"هذا هو المشفى الوحيد في القرية"، تقول الدكتورة بارية. "ليس هذا فقط، بل هو المشفى الوحيد في خط الساحل بأكمله الذي يوفر خدمات طبية أساسية".
"كان هدفي الأساسي هو أن أتدرب في هذا المرفق الصحي ومن ثم أن أنتقل إلى مشفى آخر في محافظة عدن – لكنني عرفت أنه يجب عليّ البقاء في هذا المكان. هنا يمكنني أن أخدم أناس أكثر مقارنة بالعمل في أي مكان آخر... لهذا بقيت هنا".
تسترسل الطبيبة بارية بقولها: "لقد تحسنت الصحة العامة، وانخفضت نسبة الوفيات بين النساء والمواليد إلى أقل من واحد في المائة! ساهم الدعم المقدم من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في تمويل ٧٥ في المائة من الخدمات المقدمة هنا. في السابق، لم يكن بإمكاننا سوى تلبية خُمس احتياجات الرعاية الصحية".
"أصبحنا الآن نقدم الخدمات للجميع، بما في ذلك النازحين داخلياً والمهاجرين من دول القرن الأفريقي. كلمة شكر واحدة ونظرة العرفان كفيلة لجعل أي شخص سعيد. يكفي أنني قادرة على مساعدة الآخرين!"
أدوية غسيل الكلى الباهظة تنقذ الحياة بدون أي تكلفة
تُفيد وثيقة الاحتياجات الإنسانية للعام ٢٠٢٣م بأن قرابة ٥٠ في المائة من المرافق الصحية إما تعمل جزئياً أو متوقفة عن العمل نهائياً نتيجة انقطاع الموظفين عن العمل، شحة التمويل، انقطاع الكهرباء، واستنفاذ الأدوية، المعدات والإمدادات.
"تكلف أدوية الغسيل الكلوي لوحدها قرابة ٣٠٠ ألف ريال يمني (حوالي ٥٤٠ دولار أمريكي) شهرياً ومدى الحياة"، يقول الطبيب زهر علوي، أخصائي أمراض الكلى والباطنية في مركز سيئون للغسيل الكلوي في محافظة حضرموت. "العام الماضي، وصلت للمركز حوالي ١٩٠ حالة جديدة، والاحتياج في ازدياد مستمر. تكلفة المعدات الطبية الاستهلاكية باهظة للغاية؛ رغم ذلك، فالصيدلية والمختبر يقومان بتزويد المرضى بالأدوية وعمل الفحوصات اللازمة – بدون أي تكلفة".
رصد الأوبئة في ساعات معدودة
يُعد اليمن – بجانب بلدان أخرى مثل الصومال، جنوب السودان وأفغانستان – من البلدان التي المهددة بانتشار الأوبئة المعدية، مع خطر تفشي أوبئة جديدة هذا العام.
الطبيبة ناهد سالم هي رئيس وحدة البيولوجيا الجزيئية في المختبر المركزي في عدن، حيث تم رصد وإعلان أول حالة كوفيد-١٩ في اليمن في شهر أبريل من العام ٢٠٢٠م. أوضحت كيف أن المختبر استطاع أن يسرّع من عملية رصد الأوبئة من أيام إلى مجرد ثلاث ساعات.
تقول الطبيبة ناهد: "لطالما كانت منظمة الصحة العالمية هي الداعم الأساسي لهذه الوحدة – من اليوم الأول!" وتضيف، "نتلقى الدعم الكامل، من بناء للقدرات والتدريب إلى المحاليل والمعدات الطبية. يتيح لنا هذا الدعم تقديم الخدمات الطبية الحيوية للمرضى وبدون أي تكلفة – من ضمنها فحوصات مرضى الكلى والسرطان. الوقت الوحيد الذي يتوجب علينا إحالة المرضى فيها هو حين ينضب مخزون المحاليل الطبية".
مشروع تعزيز النظام الصحي والدعم التشغيلي للتدخلات المنقذة للحياة في اليمن هو المرحلة الثانية لذات المشروع التابع لمنظمة الصحة العالمية وبتمويل من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. يدعم المشروع الذي تكلفته ١١.٢ مليون دولار أمريكي وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن على تعزيز الوصول إلى خدمات الرعاية الثانوية؛ بما تشمله من خدمات الصحة الإنجابية، خدمات الأمومة، والأمراض غير السارية في المراكز الطبية للمحافظات والمديريات المستهدفة؛ وتعزيز آليات الاستجابة عبر تدابير الرصد والوقاية.
قصة: شذى الإرياني وكيفين كوك، منظمة الصحة العالمية في اليمن
الصور: © منظمة الصحة العالمية / قمرة للأفلام