تحقيق- محمد فزاع ومحمود علي
في قلب العالم العربي، وعلى مرمى حجر من ثلاث قارات، تبرز مصر كمحور جذب ليس فقط للسياح والمستثمرين، بل للمهاجرين أيضًا، على مر العصور، كانت القاهرة ملتقى للحضارات، ومنارة للباحثين عن الأمان والاستقرار، ووجهة حيوية لكل من ضاقت به السبل في بلاده.
منذ العصور القديمة، كانت ملاذًا للعديد من الشخصيات التاريخية، في الكتب المقدسة لجأ النبي إبراهيم إلى مصر بسبب المجاعة والقحط في أرض كنعان، وكذلك النبي يعقوب وأبناؤه الأسباط، وكان لها دور كبير في استضافة العذراء مريم وابنها المسيح حينما هربا من طاغية هيرودس الذي كان يعتقد أن المسيح هو الملك الموعود الذي سيقضي على حكمه.
أما في العصر الحديث، فقد شهدت مصر مع بداية القرن العشرين تحولا فى اللجوء السياسى، ففى 1917، لجأ أحد أفراد العائلة المالكة الروسية إلى مصر بعد الثورة الشيوعية، وطلب اللجوء فى عهد السلطان حسين كامل.
لجأ إليها ملوك وزعماء، مثل الملك أحمد زوغو من ألبانيا، بسبب الاحتلال الإيطالي، والملك بطرس الثاني آخر ملوك يوغسلافيا، وكذلك قسطنطين الثاني آخر ملوك اليونان، ولم تقتصر مصر على استقبال الملوك فقط، بل استضافت أيضًا العديد من المناضلين والسياسيين، فضلًا عن الأدباء والفنانين من مختلف أنحاء العالم العربي، إلى جانب العديد من المواطنين العاديين الهاربين من الأنظمة القمعية.
اليوم، تستضيف مصر بين 9 و10 ملايين لاجئ من أكثر من 133 دولة، ما يعكس جاذبيتها في زمن تكتنفه الأزمات، هؤلاء الملايين الباحثون عن الأمان وفرص الحياة الكريمة، لا يضيفون فقط إلى نسيجها السكاني، بل يساهمون أيضًا في تشكيل ملامح جديدة لاقتصادها ومجتمعها، لتصبح مصر بذلك أرضًا تحتضن التنوع، وتواجه تحديات جديدة بحكم دورها المتزايد كحاضنة للهجرة في المنطقة.
تشير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دائما في بياناتها الدورية إلى عدد قليل من اللاجئين وتعتمد في أرقامها فقط على اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لديها، وهم الذين يحصلون على دعم مباشر من برامجها المختلفة، مثل المساعدات المالية والغذائية والصحية والتعليمية، وفي المقابل تعتمد الحكومة المصرية على أرقام أوسع تشمل جميع اللاجئين والمهاجرين في البلاد، سواء كانوا مسجلين لدى المفوضية أو غير مسجلين.
هذا الفارق في منهجية الإحصاء يفسر التباين الكبير بين أرقام المفوضية، التي تشير إلى نحو 800 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجل، وبين تقديرات الحكومة المصرية التي تشير إلى وجود أكثر من 10 ملايين، تتعامل معهم ككل دون تمييز بين المسجلين وغير المسجلين، وتقدم لهم تسهيلات وخدمات متعددة على أراضيها.
انطلقنا في تحقيقنا من بيان نشر في 8 يناير 2024، لرئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، الذي طالب خلاله الحكومة بالتدقيق في أعداد اللاجئين، وحصر وتجميع ما تتحمله الدولة مقابل خدمات تقدمها في مختلف القطاعات، مشددا على ضرورة توثيق مختلف جهود الدولة لرعاية هذه الملايين.
ومع صعوبة وجود رقم محدد لعدد المهاجرين إلى مصر، حاولنا من خلال قضيتنا المدفوعة بالبيانات، إنشاء قاعدة بيانات واضحة لعدد اللاجئين في مصر حتى نهاية 2024 بتحليل أكثر من 200 تقرير إحصائي، واعتمدنا على مصادر متنوعة منها أرشيف المنظمة الدولية للهجرة في مصر، وتقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين مصر الشهرية، وتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء السنوية، ومصفوفة النزوح إلى مصر، ومختبر البيانات العالمي، وبحثنا عن الأسباب الرئيسية للبقاء في مصر بالنسبة للمهاجرين.
اللاجئون في نظر المنظمات
تقدر الحكومة المصرية، أعداد اللاجئين على أراضيها بين 9 و10 ملايين لاجئ على الأقل، من 133 دولة، أي أكثر 12 ضعفا من العدد المعلن من مفوضية شؤون اللاجئين التي تواصلنا معها وذكرت أن القاهرة تستضيف نحو 820 ألف لاجئ وطالب لجوء، مع توضيح أن هؤلاء هم المسجلون فقط من 62 جنسية مختلفة، ومع نهاية 2023، أصبحت الجنسية السودانية الأكثر عددا، تليها الجنسية السورية، تليها أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال والعراق.
مفوضية اللاجئين توضح أن البلدان الأكثر عددًا من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لديها في مصر، يتصدرها السودان 392 ألفًا، سوريا 156 ألفًا، جنوب السودان 43 ألفًا، إريتريا 37 ألفًا، اليمن 8649، الصومال 8411، والعراق 5722.
وفندت المناطق السكنية الرئيسية للاجئین في مصر في بيانات أرسلتها لنا، بتصدر القاهرة بإجمالي 193.460 ألف، الجيزة 315.119 ألف، الإسكندرية 54.908 ألف، القليوبية 26.851 ألف، الشرقية 18.008 ألف، دمياط 10.462 ألف، الدقهلية 4.618 ألف، المنوفية 3425 ألف، السويس 3225 ألف، البحيرة 1523، الغربية 1472، الإسماعيلية 1123، كفر الشيخ 812، وبورسعيد 310.
وتوضح المفوضية أنه منذ بداية الصراع في السودان في إبریل 2023 ارتفع عدد المسجلين كلاجئین لدى المفوضیة بمقدار 6 أضعاف، معظمھم من النساء والأطفال، لكن إجمالي السودانيين الفارين إلى مصر عددهم أكثر من 1.2 مليون، وهنا يتضح أن أرقام المفوضية أقل بكثير عن الأرقام الحقيقية في نظر الحكومة المصرية، وهو ما أكدت عليه المنظمة الدولية للهجرة في أحدث تقرير لها صدر في أغسطس 2022، بأن أعداد المهاجرين الذين يعيشون في مصر يقدر بـ9 ملايين شخص من 133 دولة.
وكان عدد المديرين في المفوضية من السودان في إبريل 61 لتغذية العدد يصل في مايو إلى 64 ألف، ويونيو 77 ألف، ويوليو 91 ألف وأغسطس 108 آلاف، وسبتمبر 126 ألف، وأكتوبر 152 ألف، ونوفمبر 181 ألف، وديسمبر 208 آلاف، ويناير 2024. 232 ألفًا، وفبراير 267 ألفًا، ومارس 295 ألفًا، وإبريل 328 ألفًا، وفي مايو 2024 وصل العدد إلى 367 ألفًا.
المنظمة الدولية للهجرة تؤكد أن السودانيين يشكلون أكبر عدد من الأطفال الصغار 4 ملايين، يليهم السوريون 1.5 مليون، واليمنيون
تمثل الجنسيات الأربع 80% من المهاجرين المقيمين حاليا في البلاد، وذلك وفقا لبيانات ديموغرافية مفصلة جمعناها بين يناير ويونيو 2022، وتوضح المنظمة أن البيانات المتعلقة بالمهاجرين غير النظاميين في مصر تعاني من نقص كبير، وفي أغلب الأحيان تكون غير دقيقة، لكن العدد مرتفع عن ذلك.والليبيون بنحو مليون لكل منهما.
وتأكيدًا لفرضية الحكومة المصرية بشأن أعداد اللاجئين رصدنا في مختبر البيانات العالمية، أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمصر، تلقت 183011 طلب لجوء في 2023، جاءت معظمها من السودان وجنوب السودان وإريتريا، واتخذت قرارا في 10425 طلبًا فقط بشكل أولي، لتسجيلهم كلاجئين، وكانت الطلبات الأكثر نجاحا هي طلبات اللاجئين من اليمن، ومن أفغانستان، أما العدد الباقي فدخل البلاد بدون توصيف «لاجئ».
وطبقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن إجمالي عدد السكان المصريين وفق آخر بيان صادر في يونيو 2024، حوالي 107.785.100 لاجئ، وبناءً على هذا العدد وتقدير المنظمة الدولية للهجرة المنقح لأعداد المهاجرين في مصر، سيشكل المهاجرون نحو 8.7% من السكان المصريين.
تحليل البيانات المبتكرة نسعى جاهدين لمساعدة اللاجئين، ووكالة الأونروا، ومصدر المعلومات الأصليين «IDMC»، شدد على عدد النازحين قسرا في جميع أنحاء العالم حتى أكتوبر 2024 نحو 122.6 مليون شخص، منهم 37.9 مليون لاجئ و8 ملايين طالب لوزن و5.8 مليون. المخصصة للأرقام الرسمية في مصر والتي تؤكد احتضانها أكثر من 9 ملايين، وقد حصلت على نسبة بمصر نحو 17.4% من إجمالي اللاجئين حول العالم وحده.
الأعداد أضعاف المعلن
تضاربت الأرقام حول عدد المهاجرين المقيمين في مصر، إذ لا توجد إحصائيات رسمية شاملة، نظرًا لأن أغلب هؤلاء يعيشون ويعملون خارج النظم الرسمية، لكن التقديرات التي حصلنا عليها منذ عام 2020 تشير إلى أن الأرقام ربما وصلت إلى 12 مليون لاجئ أو أكثر، وربما تتخطى الأرقام ذلك بمئات الآلاف، مدفوعة بكثير من الأزمات والصراعات والنزاعات الإقليمية التى يشهدها عدد من دول المنطقة المجاورة لمصر.
في عام 2020، قالت المنظمة الدولية للهجرة، إن مصر تستضيف أكثر من 6 ملايين لاجئ أو مهاجر، أكثر من نصفهم من السودان وجنوب السودان، في حين قدرت المنظمة بعد عام واحد فقط أرقام المهاجرين بنحو 6.3 مليون مهاجر بعضهم فر من الحروب في وطنه، وآخرون جاءوا للعمل في مصر، وهناك من يوجد بشكل مؤقت لاستكمال مساره لدولة أخرى.
ظهرت أرقام متكررة خلال الفترة من 2020 إلى 2022، فبعد نحو عامين العام، وتحديدًا في أغسطس من العام 2022 المنظمة المنظمة للهجرة الدولية، ببيانات رسمية لزيادة حجم موظفي الهجرة إلى مصر، وعدد العدد الحالي للمهاجرين الذين يعيشون في مصر بـ 9 ملايين شخص من 133 دولة.
ونستنتج من هذا البحث، وما رصدته منظمة الهجرة من أرقام، أن مصر استقبلت خلال الفترة من 2020 إلى أغسطس 2022 ما يقارب 3 ملايين لاجئ يحملون جنسيات مختلفة، وبالقياس فإن مصر قد تكون استقبلت منذ أغسطس 2022 حتى نوفمبر 2024 ما يقارب من 3 ملايين آخرين، ما يعني أن مجموع المهاجرين واللاجئين الذين يعيشون في مصر تخطى عددهم 12 مليونًا بين «لاجئ ومقيم شرعي وغير شرعي»، وقد تكون الإحصائية الدقيقة لأرقام المهاجرين في مصر أكثر من ذلك بكثير، مدفوعة بعوامل خارجية عدة، أهمها ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات شديدة وتوترات إقليمية ساهمت في تعزيز حركة اللجوء والهجرة إلى مصر أكثر وأكثر، فمن قطاع غزة وصولا بما يشهده السودان مرورًا بما يحدث في لبنان، بدا واضحًا أن حركة الهجرة إلى مصر وصلت إلى معدلات قياسية.
ما يعزز وصول عدد المهاجرين في مصر إلى أرقام مضاعفة لما كانت عليه في عام 2022، ما يشهده السودان من أوضاع إنسانية متفاقمة نظرا لاستمرار الحرب منذ أبريل 2023، إذا قالت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في 9 نوفمبر الجاري، إن مصر أصبحت الآن أكبر دولة مستضيفة للسودانيين الفارين من النزاع المستمر، حيث إنه منذ اندلاع الحرب قبل 19 شهرًا، نزح قسرًا أكثر من 3 ملايين شخص، بحثا عن اللجوء في البلدان المجاورة.
وأشارت المفوضية وفقا لبيانات حديثة، إلى أن أكثر من 1.2 مليون سوداني فروا إلى مصر منذ اندلاع الحرب، موضحة أن حجم هذه الأزمة الإنسانية وضع ضغطًا هائلًا على موارد مصر وبنيتها التحتية، وعلى الرغم من كرم الحكومة المصرية والتزامها بتوفير الحماية الدولية، فإن قدراتها الآن تتجاوز حدودها بشكل كبير.
مقرر لجنة الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بالحوار الوطني، سمير صبري، يقول إنه يجب أولًا على الدولة المصرية أن تعرف الأعداد الرسمية ثم تصنيفها، ولدينا أكثر من 5 ملايين سوداني من قبل الأحداث، وبالطبع ارتفعت الأعداد كثيرًا بعدها، ونجد أن عدد السوريين المسجلين في المفوضية لا يتعدى 150 ألفا، لكن على الأرض متوقع أن يكون عددهم نحو مليوني سوري.
جاءت الفجوة الكبيرة بين أرقام اللاجئين المسجلين رسميا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وتقديرات الحكومة المصرية، نتيجة عدة عوامل معقدة، أولا، لا يملك الكثير من اللاجئين الوثائق المطلوبة للتسجيل بسبب ظروف فرارهم من بلادهم، ما يجعلهم غير قادرين على الانضمام إلى برامج التسجيل الرسمية والحصول على «الكارت الأصفر» لتوفيق أوضاعهم.
يضاف إلى ذلك اختلاف منهجية التصنيف بين الحكومة المصرية والمفوضية، فبينما تعتبر الحكومة جميع الأفراد القادمين من دول متضررة بالهجرة أو اللجوء جزءا من التعداد، تحصر المفوضية أرقامها فى المسجلين كلاجئين وطالبى لجوء رسميين.
«مواعيد الأمم المتحدة فى توفيق أوضاع اللاجئين طويلة تستغرق من عام إلى عامين»، هكذا يوضح ولفز قرقورى، أمين جالية جنوب السودان فى تصريحاته معنا، مضيفا أن البعض قد يختار عدم التسجيل بسبب نقص الوعى بفوائده، وقد يعتمد البعض من اللاجئين على الاقتصاد غير الرسمى لتأمين معيشتهم، ما يجعلهم يشعرون بعدم الحاجة إلى التسجيل.
وأوضح أنه من ناحية أخرى، تسهم طبيعة مصر كدولة عبور فى اتساع هذه الفجوة، إذ يعتبر العديد من اللاجئين وجودهم فى مصر مؤقتا، ما يدفعهم لتجنب التسجيل رغبة فى متابعة رحلتهم إلى دول أخرى.
ولتقليل الفجوة، يرى أنه يمكن تعزيز الوعى بأهمية التسجيل وما يقدمه من دعم وخدمات، أو بحملات توعية ميدانية وإلكترونية تنظمها الحكومة بالتعاون مع المنظمات الدولية، وإنشاء مكاتب إضافية أو فرق متنقلة تصل للمناطق النائية التى يتركز فيها اللاجئون.
يتجه المهاجرون إلى مصر لأسباب متعددة، إذ تجمع مصر بين الموقع الاستراتيجى، والاستقرار السياسى والأمنى، والتنوع الاقتصادى، ما يجعلها وجهة جاذبة للاجئين من مختلف البلدان.
وقد يُنظر إلى الخطاب الإيجابى للحكومة المصرية الحالية تجاه المهاجرين واللاجئين على أنه عامل جذب، إذ لطالما كانت مصر سخية فى إدراج المهاجرين واللاجئين وطالبى اللجوء فى النظم الوطنية، على قدم المساواة مع المصريين فى كثير من الحالات، رغم التحديات التى يواجهها هذان القطاعان والتكاليف الاقتصادية الباهظة.
وتقدم مصر دعما مهما للاجئين فى العديد من المجالات الأساسية، إذ توفر الحكومة للاجئين حق الوصول إلى التعليم فى المدارس العامة، وتتيح للأطفال اللاجئين الالتحاق بالمدارس بالرغم من التحديات المتعلقة بالوثائق القانونية.
وفى السنوات الأخيرة، جرى تحسين التعليم من خلال تنفيذ برامج رقمية مثل «شبكات المدارس الفورية INS»، والتى تهدف إلى رقمنة المدارس العامة وتوفير برامج تعليمية مدمجة للاجئين والمصريين، كما سمحت وزارة التعليم للاجئين بالتسجيل فى المدارس حتى فى حالة انتهاء صلاحية وثائقهم، وعلى سبيل المثال، فى العام الدراسى 2022/2023، استفاد أكثر من 56,000 لاجئ من منح تعليمية لدعم الرسوم الدراسية والملابس المدرسية والمواصلات.
أما فى مجال الصحة، توفر الحكومة المصرية الدعم للاجئين فى الوصول إلى الرعاية الصحية، ويشمل ذلك المساعدة الطبية الطارئة وتلقى اللقاحات المختلفة، وهذا الدعم كان جليا فى جائحة «كوفيد - 19»، بتوفير الأمصال والعلاج لهم إلى جانب المواطنين المصريين، دون تمييز، وإدراج اللاجئين وطالبى اللجوء أيضا بالمبادرات الصحية الوطنية مثل حملة «100 مليون صحة» التى تهدف إلى الكشف عن التهاب الكبد الوبائى «سى» والقضاء عليه فى مصر بحلول 2023، والحملات الوطنية لمكافحة شلل الأطفال حتى سن الخامسة من العمر، ومؤخرا، حملة الكشف المبكر وإعادة تأهيل وعلاج ضعف السمع.
تحديات الاقتصاد المصري: التكلفة تزيد على 10 مليارات دولار
نظرا لموقعها المركزى والاستراتيجى داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعتبر مصر دولة منشأ ووجهة وعبور، وطالما كانت دولة مرحبة بملايين المهاجرين واللاجئين من مختلف الجنسيات دون تعريضهم إلى المكوث فى مراكز إيواء أو مخيمات على الحدود.
ويؤدى توافد المهاجرين إلى تأثيرات متعددة على الاقتصاد المحلى، سواء بشكل إيجابى أو من خلال تحديات تتطلب استجابات مدروسة، لذا جاء قرار الحكومة بحصر أعدادهم وتوفيق أوضاعهم واستخراج «بطاقة التسجيل» للاستمرار فى تقديم الخدمات.
وقدر رئيس الوزراء المصرى، مصطفى مدبولى، التكلفة المباشرة لاستضافة 9 ملايين شخص، ما بين لاجئ ومقيم، بسبب ظروف عدم الاستقرار فى بلادهم، بأكثر من 10 مليارات دولار سنويا، بالرغم من الأزمة الاقتصادية التى تجابهها.
وهنا يؤكد النائب فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن ضيوف مصر يستفيدون من خدمات حكومية مقدمة فى الموازنة العامة للدولة تشمل الأمن والعدالة والصحة والتعليم وبرامج الحماية الاجتماعية.
يوضح د. سمير صبرى، الضيوف فى مصر عددهم غير دقيق، والأرقام متزايدة فى ظل أزمة اقتصادية عالمية تؤثر على مصر، وعلى دول العالم أن ترى ذلك بشكل جيد، لأن مصر دولة تحمى الجوار من ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية «Migration Policy Debates»، فإن تكلفة استضافة اللاجئين المباشرة وغير المباشرة، فى بعض الدول المتقدمة مثل «المملكة المتحدة، وسويسرا، وألمانيا، والولايات المتحدة، والسويد» تكلف للشخص الواحد بين 25.6 ألف إلى 3.9 ألف دولار سنويا.
وبالنظر إلى أن مستوى جودة الحياة فيها أعلى من الدول النامية مثل مصر، ولأخذ ذلك فى الاعتبار، يمكن الاستعانة بمؤشر «Big Mac Index»، كأداة تقريبية وليست دقيقة، ونجد أن متوسط سعر ساندوتش «بيج ماك» نحو 5.19 دولار أمريكى، بينما بمصر 2.43 دولار، أى أن الفرق فى مستوى المعيشة فى القاهرة أقل بنحو النصف.
وبناء على هذه الفروق، تقدر تكلفة استضافة اللاجئ فى مصر إذا احتسبنا أقل تكلفة فى أوروبا، بحوالى 4000 دولار سنويا، وعليه إذا استضافت مصر 12 مليون لاجئ، مع فرض خصم 50% على هذه التكلفة لتصبح تكلفة اللاجئ سنويا حوالى 2000 دولار، فإن إجمالى التكلفة السنوية التى تتحملها مصر ستكون حوالى 24 مليار دولار أمريكى، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذه التقديرات تقريبية، وتعتمد على الفروق فى الأسعار بين الدول التى قد تختلف بسبب عوامل محلية مثل تكاليف العمالة وجودة المنتجات والخدمات.
وبالنسبة لسوق العمل قد يُساهم المهاجرون فى تلبية الطلب على العمالة فى بعض القطاعات، خاصة فى المجالات التى تتطلب عمالة كثيفة مثل «الزراعة، والبناء، والخدمات»، ما يدعم بعض الصناعات ويخفض التكاليف فى السوق المحلى، لكن أيضا قد يؤدى ارتفاع العدد إلى زيادة المنافسة مع السكان المحليين على الوظائف المتاحة، ما يمكن أن يؤثر على أجور العمل، خصوصا فى القطاعات غير الرسمية.
ويضع تزايد عدد المهاجرين ضغطا إضافيا على الخدمات العامة، كالتعليم والرعاية الصحية، ما يستدعى مزيدا من الإنفاق الحكومى لتحسين جودة هذه الخدمات، وقد تعانى هذه الخدمات من ضغط إضافى بسبب محدودية الموارد المخصصة لها.
السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، تتفق معنا بقولها إن هناك ضغطا على الخدمات التعليمية تتطلب زيادة فى الفصول الدراسية، وزيادة الأسرة فى المستشفيات، وحتى المنتجات الاستهلاكية مثل البنزين أو الغذاء أو الكهرباء أو المياه، ما يضغط على الإنفاق الحكومى.
ويرسل بعض المهاجرين فى مصر جزءا من دخولهم إلى أسرهم فى بلدانهم الأصلية، ما يؤثر على حجم الأموال المتداولة محليا، ومع ذلك، قد تستفيد بعض القطاعات من الأموال التى ينفقها المهاجرون فى السوق المحلى، ما يسهم فى دعم الاقتصاد.
وفى الاقتصاد غير الرسمى، يُشارك العديد من المهاجرين فى الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، ما يجعل من الصعب تتبع إسهامهم المالى بدقة، أو ما يدفعونه من ضرائب.
ووفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة فى مصر، فإن أكثر من ثلثى السكان 37%، من المهاجرين يعملون فى وظائف ثابتة وشركات مستقرة، وبحسب المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، فإن 60% من المهاجرين واللاجئين مندمجون بشكل جيد فى المجتمع لأكثر من 10 سنوات، ويشكل الذكور نسبة 50.4%، والإناث 49.6%، وبمتوسط عمرى يصل إلى 35 سنة.
وعلى سبيل المثال، يعتبر السوريون الذين يشكلون 17% من أعداد المهاجرين الدوليين فى مصر من أفضل الجنسيات التى تساهم بشكل إيجابى فى سوق العمل والاقتصاد المصرى، ويقدر حجم الأموال التى استثمرها 30 ألف مستثمر سورى مُسجل فى مصر بنحو مليار دولار، ما يعكس أهمية تعزيز اندماج المهاجرين لأثره الإيجابى على المجتمعات المُضيفة.
محاولات تقنين الأوضاع.. هل وجدت الحل؟
قدمت مصر تسهيلات عدة للمقيمين الأجانب من أجل توفيق وتقنين أوضاعهم بطريقة رسمية، كانت بدايتها مايو 2023، عندما أصدرت وزارة الداخلية قرارات تسمح بتسهيل إجراءات الإقامة للأجانب، بما يشمل اللاجئين، وتضمنت منح الإقامة لمدة تصل إلى 5 سنوات قابلة للتجديد لمن يتملك عقارات أو يودع ودائع بنكية بالدولار.
وفى أغسطس 2023، أصدر رئيس الوزراء المصرى قرارا بمنح المقيمين غير الشرعيين فرصة إضافية لتوفيق أوضاعهم لمدة عام، بشرط وجود مستضيف مصرى وسداد رسوم تعادل 1000 دولار.
مع تزايد اللاجئين السودانيين بسبب الصراع فى السودان، أعلنت الحكومة فى سبتمبر 2023 تسهيلات خاصة لتسجيلهم وضمان حصولهم على الخدمات الأساسية، وفى نوفمبر من نفس العام أدرجتهم فى المبادرات الصحية الوطنية، مثل الكشف المبكر عن الأمراض وتوفير العلاج المجانى.
وفى سبتمبر 2024، وافق مجلس الوزراء على مد فترة تقنين أوضاع اللاجئين والمهاجرين لمدة عام، مع إجراءات أكثر مرونة تهدف إلى تسهيل إدماجهم قانونيا واجتماعيا.
فى 18 نوفمبر، وافق مجلس النواب من حيث المبدأ على مشروع قانون مُقدم من الحكومة لإصدار قانون بشأن لجوء الأجانب، ليوازن بين التزامات مصر الدولية تجاه اللاجئين وضرورة حماية الأمن القومى وضمان النظام العام.
ويضع القانون إطارا متكاملا للتعامل مع اللاجئين، يضمن حقوقهم الأساسية كالحماية، والرعاية، والتعليم، والعمل، مع تحديد التزامات واضحة عليهم، ويعطى الأولوية للفئات المستضعفة، ما يعكس بُعدا إنسانيا فى التعامل مع طلبات اللجوء.
يهدف مشروع القانون إلى وضع تنظيم قانونى لأوضاع اللاجئين وحقوقهم والتزاماتهم المختلفة، بما يتماشى مع الحقوق والالتزامات المنصوص عليها فى الاتفاقيات الدولية التى انضمت إليها مصر.
يسعى القانون إلى ضمان تقديم جميع أشكال الدعم والرعاية للمستحقين من اللاجئين، من خلال إنشاء لجنة دائمة لشئون اللاجئين تكون ذات شخصية اعتبارية
وتتبع رئيس مجلس الوزراء، وتختص بكل شئون اللاجئين، بما فى ذلك معالجة طلبات اللجوء، والتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وضمان تقديم الدعم والخدمات اللازمة لهم.
الدكتورة غادة حلمى، عضو اللجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، أكدت فى تصريحات خاصة، أن تزايد أعداد اللاجئين فى مصر استدعى وضع إطار تشريعى واضح ينظم أوضاعهم على الأراضى المصرية.
وأوضحت أن قانون لجوء الأجانب الجديد يمثل نقطة الانطلاق الأساسية فى تنظيم العلاقة بين اللاجئين والدولة المصرية، مضيفة أن القانون يتماشى مع جميع المواثيق الدولية القانونية والإنسانية التى وقّعت عليها مصر، وفى مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن وضع اللاجئين.
وأشارت إلى أن التشريع الجديد يضمن احترام اللاجئين للقوانين المصرية ويلزمهم بعدم خرقها بأى شكل من الأشكال، مشددة على أن الدولة المصرية تعاملت مع اللاجئين بإنصاف وعدالة، إذ وفرت لهم الخدمات الأساسية على قدم المساواة مع المواطنين المصريين، لافتة إلى رفض الدولة استخدام مصطلح «لاجئ»، واستبداله بمصطلح «ضيف»، للتأكيد على البعد الإنسانى فى تعاملها مع هؤلاء الأفراد.
وينص التشريع على أن طلب اللجوء يُقدم إلى اللجنة من طالب اللجوء أو من يمثله قانونيا، وتفصل اللجنة فى الطلب خلال 6 أشهر لمن دخل البلاد بطريقة مشروعة، وبحد أقصى سنة لمن دخل بطريقة غير مشروعة، وتُعطى الأولوية فى دراسة الطلبات لفئات معينة مثل الأشخاص ذوى الإعاقة، والمسنين، والنساء الحوامل، والأطفال غير المصحوبين، وضحايا الاتجار بالبشر أو العنف الجنسى.
ويتمتع اللاجئ بالعديد من الحقوق بمجرد اكتساب هذا الوصف، ومنها الحصول على وثيقة سفر تصدرها وزارة الداخلية، وهى تتيح له التنقل والخروج والعودة بحرية، وحظر تسليمه إلى بلده الأصلى، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، مع خضوعه فى مسائل الأحوال الشخصية لقانون بلد موطنه، بشرط عدم التعارض مع النظام العام.
كما يتمتع اللاجئ بحقوق إضافية تشمل العمل، والتقاضى، وملكية العقارات، والاعتراف بالشهادات الدراسية، والحصول على الرعاية الصحية والتعليم الأساسى، والاشتراك فى الجمعيات الأهلية، مع الإعفاء من ضرائب إضافية أو أعباء مالية، ما يعنى أنه يعامل معاملة المواطنين.
ويلتزم اللاجئ باحترام قوانين مصر وقيم المجتمع، ويحظر عليه القيام بأى أنشطة تمس الأمن القومى أو تخالف مبادئ المنظمات الدولية، ولا يُقبل طلب اللجوء إذا ارتكب مقدم الطلب جرائم جسيمة أو أعمالا تهدد الأمن القومى، وفى حال رفض الطلب يمكن للجنة أن تقرر إبعاد طالب اللجوء خارج البلاد، كما تسقط صفة اللاجئ إذا ثبتت المخالفات، ويتعين على من دخل البلاد بطريقة غير مشروعة أن يتقدم بطلب إلى اللجنة خلال 45 يوما، وإلا يتعرض لعقوبة تشمل الحبس أو الغرامة المالية.
من محنة الحرب إلى الأمل
ألم الغربة وأمل البدايات الجديدة.. الكرم المصري يخفف جراح الهاربين إليها من الحروب
لم يكن الرحيل خيارًا، بل كان النجاة الوحيدة، خرج من أرض السودان تاركاً خلفه كل ما عرفه يوما وكل ما أحببه، بعد أن أصبحت قريته مسرحًا للحرب والخوف، لم يعد بإمكانه التمييز بين دوي الرصاص ونبضات قلبه المتسارعة.. دفن أوجاعه في حقيبة صغيرة، لا تحمل سوى بضع ثياب وصور باهتة لذكريات لن تعود.
يقول يوسف إدريسي: «حين وطأت قدماي أرض مصر، شعرت بالراحة لأول مرة منذ أشهر، لكن سرعان ما أدركت أن الرحلة لم تنتهِ، كنت أبحث عن ملاذ، عن مكان أشعر فيه بالأمان، لكن اللجوء كان فصلاً جديداً من المعاناة، وجوه غريبة، لغة تملؤها الحواجز، وشوارع لم أكن أرى فيها سوى أطياف من رحلوا قبلي، كأن كل خطوة كانت تذكرني بمسافات لا تُقطع، وبوطن بات بعيداً في الذاكرة، قريباً في الجرح، في مصر، كنت غريباً يسعى إلى إعادة بناء حياته بين أنقاض الماضي، لكن رغم القسوة، كنت أعرف أن النجاة كانت في قدرتي على الحلم من جديد».
كان هذا جزء بسيط من معاناة لاجئ سوداني هرب من الحرب متجهًا إلى مصر، ففي ظل الحروب والنزاعات المسلحة التي عصفت بمناطق متعددة في الشرق الأوسط وإفريقيا، أصبحت القاهرة وجهة أساسية للاجئين الهاربين من ويلات الصراعات، فمن سوريا والسودان إلى اليمن وإريتريا، يحمل اللاجئون معهم قصصًا من الألم، فقدوا وطنهم وأحبّاءهم، ليبدأوا رحلة جديدة مليئة بالتحديات.
مصر، التي استقبلت منذ عقود موجات من اللاجئين، كانت بالنسبة للكثيرين بمثابة وطن ثانٍ، لم يشعر اللاجئون هنا بالغربة كما في أماكن أخرى بل وجدوا التعاطف والمساندة من الشعب المصري الذي يرى فيهم ضيوفًا يستحقون الرعاية.
ورغم أن مصر، المعروفة بكرم الضيافة، فتحت أبوابها لهم، فإن الحياة اليومية لهؤلاء اللاجئين لم تكن بالأمر الهين، إذ يحاولون الاندماج في مجتمع يعاني من ضغوط اقتصادية متزايدة جلبتها الأحداث العالمية والتوترات في المنطقة.
لكن وسط كل المصاعب بالحصول على فرص عمل أو التعليم الكافي للأطفال ونقص الموارد والدعم المالي، تظهر قصص ملهمة من الأمل والصمود، حاولنا جاهدين تسليط الضوء عليها لنكشف كيف يعيدون بناء حياتهم في ظروفهم الصعبة.. لكن يبقى الأمل ممكنًا حتى في أحلك الظروف.
سمسار تهريب: رحلة الهروب من طلقات الرصاص 85 ساعة على الأقدام
أحد اللاجئين في مصر تحدثنا معه فأوصلنا بسمسار تهريب في السودان يدعى «يحيى»، جنبهم طلقات الرصاص الطائشة وحتى العبور لبر الأمان، فيقول «شغلت السمسرة دي لسنين، وأعرف كل الطرق اللي تضمن للاجئين يوصلوا بأمان، من الخرطوم نبدأ الرحلة، ثم ننقلهم لمدني، - تبعد 135 كيلومترا من العاصمة-، على ضفة النيل الأزرق، وفي مدني يكونون أقرب خطوة من الخروج من منطقة النزاع، ثم ننقلهم لبورتسودان، وهنا يبدأ الجزء الصعب بالسير ليوم كامل على الأقدام، ودي مش حاجة سهلة، لكن بنوفر لهم أدلة وخطط سير آمنة».
ويوضح طريقته في تأمينهم: «من بورتسودان، بنلاقي لهم وسيلة نقل تكمل الطريق شمالًا على طول الساحل لحد ما يوصلوا للحدود المصرية، الرحلة كلها بتاخد حوالي 85 ساعة، وننبههم يجمعوا أكل ومية كفاية، لأنه في الطريق مفيش رفاهية، لما يوصلوا الحدود، أول خطوة هي التسجيل عند المفوضية علشان يدخلوا في قوائم اللاجئين المنتظرين».
معتصم: من دارفور إلى القاهرة أبحث عن الأمان
«لم نختر هذه الحياة، لكننا نحاول أن نحياها».. بهذه الكلمات يلخص معتصم، لاجئ سوداني في القاهرة، واقع آلاف اللاجئين في مصر، بعد أن دُمرت أوطانهم بفعل الحروب والصراعات، ووجدوا في مصر ملاذًا آمنًا، لكن الرحلة نحو الاستقرار ليست سهلة.معتقم
معتصم، الذي فرّ من دارفور مع زوجته وأطفاله بعد اندلاع النزاع المسلح، يتحدث عن أولى لحظاته في مصر: «كنت أبحث عن مكان يحمي أطفالي من أصوات الرصاص والقنابل، ووصلت إلى مصر بلا خطة، فقط بمتعلقاتنا الشخصية وأمل في الأمان».
في حي شعبي بمحافظة الجيزة وتحديدًا منطقة أرض اللواء، بدأت عائلة معتصم حياة جديدة، لكن الأمور لم تكن كما تصور، «العمل ليس سهلًا» كما يقول، مشيرًا إلى اضطراره لاستئجار متجر صغير ليعمل في مجال البقالة لتوفير الاحتياجات الأساسية لعائلته، ويضيف: «دفعنا في إيجار الشقة ما استطعنا أن نجمعه قبل الرحيل، 7000 جنيه شهريًا لمدة عام كامل، والعمل في المتجر يوفر لنا قوت يومنا، والأمل الوحيد أن يتمكن أطفالي من الذهاب إلى المدرسة والحصول على فرصة لا أملكها».
«مريم» بائعة نهارًا وأم ليلًا.. تحدت الحرب السورية بالخضروات
في شارع آخر تعيش اللاجئة السورية «مريم»، قصة مشابهة، بعد أن فقدت منزلها وأفرادًا من عائلتها في قصف بمدينة حلب، فرت مع أطفالها إلى مصر، لتبدأ رحلة كفاح جديدة، وتقول: «لم أكن أعرف ما إذا كنا سننجوا في الطريق، كان علينا الهروب بأي طريقة من أهوال الحرب».
لم تستسلم مريم رغم كل الصعوبات، في البداية اعتمدت على بعض المساعدات الخيرية، لكن سرعان ما أدركت أنها تحتاج إلى دخل ثابت لتوفير حياة كريمة لطفليها، وبدأت تبحث عن أي عمل بسيط.
ذات يوم، سمعت من جارة لها عن إمكانية العمل في سوق العبور، حيث يمكنها شراء الخضروات وبيعها في متجر صغير، لم تتردد، واستدانت مبلغًا بسيطًا لبدء مشروعها، وبدأت تتوجه يوميًا في ساعات الفجر إلى السوق، رغم مشقة الطريق والمواصلات، وتعود محمّلة بالبضاعة.
تكافح مريم في متجر خضروات صغير، تبيع نهارًا، ومع غروب الشمس تغلق متجرها وتتحول من بائعة مجتهدة إلى أم محبة، تُعنى برعاية طفليها «أنس» و«هاجر»، الذان أصبحا محور حياتها وأملها في المستقبل.
بمرور الوقت، أصبح متجرها الصغير مصدر دخل مستقر، وبدأ أهل الحي يتعاملون معها بثقة واحترام، لم تفقد مريم الأمل فتقول «لن أترك الحرب تهزمنا حتى بعد أن ابتعدنا عنها، وجودي في مصر بداية جديدة، وجدت من الناس المحيطين بي دعمًا وتشجيعًا، وبدأت أشعر أنني لست وحيدة».
على مدار السنوات، تمكنت مريم من توسيع متجرها قليلاً، واستطاعت إدخال طفليها للمدارس، مؤكدة لهم دائمًا أن العلم هو طريقهم للتغلب على التحديات، وحلمها الأكبر أن ترى أنس وهاجر يحققان أحلامهما، وأن تزرع فيهما الإصرار على النجاح، تمامًا كما فعلت هي في كل خطوة من رحلتها الشاقة.
إبراهيم.. إندماج بعد الرحلة الصعبة
في المخيمات والملاجئ المؤقتة تلاشت الأيام في انتظار المجهول أمام الشاب الإريتري إبراهيم إسماعيل، أمام قصص آخرين يروون دمار بيوتهم وأحباء فقدوا في النزاع، كان يحيا من أقرانه كل صباح وهو يعلم أن الجروح التي تحملها في وطنه وعلى الحدود مع السودان لن تلتئم بسهولة.
مع تعالي أصوات الرصاص، بدأ رحلة البحث عن «ملاذ» يخلصه من أوجاعه ويوصله لبر الأمان إلى الحدود، رماه القدر مع سمسار التنقلات «هادي» فدفع 1500 دولار حتى يوصله بسيارة لمنطقة آمنة، ومع خبرات السمسار الأخير في التنقل والابتعاد عن مناطق النزاع حتى وصوله إلى حدود السودان، تمكن أخيرًا من استخراج أوراقه الثبوتية التي تركها خلفه.
ابتسم له القدر أخيرًا وجاء إلى مصر، فكان رحلة البحث عن الاندماج والعمل ما يشغل باله، فيقول «كانت القاهرة مدينة صاخبة، مليئة بالضجيج والحركة، لكن بالنسبة لي كانت هادئة بطريقة مخيفة، كأنها تعكس الصمت الذي خلفته الحرب في داخلي، رغم كل شيء، لم أفقد الأمل، كنت أرى في عيون اللاجئين الآخرين نفس العزيمة التي بداخلي، كنا جميعًا نحاول بناء حياة جديدة، نبحث عن الاستقرار، وعن لحظة نتمكن فيها من التوقف عن الركض والهروب.. تلك اللحظة التي نتمكن فيها من القول: هنا يمكنني البدء من جديد، هنا قد أجد وطنًا مؤقتًا حتى يأتي يوم العودة».
عبد الرحمن، كان لاجئا من تشاد في السودان، يروي قصته بحرارة بينما نجلس ونتناول الشاي معًا في محل ملابس يديره، فيقول: «كنت لاجئًا في السودان وهربت مرة أخرى من دارفور بعد أن اشتد القتال، كنت أرى الموت يوميًا أمام عيني، عبرت الحدود إلى مصر مع والدي وأشقائي، ولم يكن معنا شيء سوى الملابس التي نرتديها».
يستكمل قصته ممسكا دموعه «لم يكن لدينا خطة، فقط الأمل في النجاة وعندما وصلنا إلى القاهرة، كان استقبال الناس لنا مذهلًا، أحد الجيران في المنطقة التي نزلنا بها دعانا إلى بيته، لم يكن يعرفنا، لكنه قال (أنتم إخوتي، والمصري معروف بكرمه)، هذا الموقف لن أنساه أبدًا، فقد أعطاني شعورًا بأنني لست وحدي في هذا العالم».
عبد الرحمن، الذي كان طالبا في المرحلة الثانية من الدراسة بالسودان، اضطر لترك التعليم وحياته القديمة وجيرانه طوال 10 سنوات، وهو الآن يحاول التأقلم مع الحياة الجديدة في مصر، حيث يعمل بائعًا للملابس ويتعلم ذاتيًا عبر الإنترنت، ورغم أن عائلته ما تزال تواجه صعوبات مادية، إلا أن دفء استقبال المصريين له جعله يشعر ببعض الاستقرار النفسي.
«خالد» مهندس في اليمن وسمسار في القاهرة: الأوراق الرسمية تزيد صعوبة الحياة
عندما غادر «خالد» اليمن في ظل تصاعد الحرب، لم يكن يتخيل أن تبدأ حياته من الصفر في بلد آخر، «كل شيء انهار بسرعة في صنعاء، كان البقاء هناك يعني المخاطرة بحياة عائلتي»، يقول وهو يتحدث عن اللحظات الصعبة التي دفعته لاتخاذ قرار الهجرة، إن وجهته كانت مصر، حيث سعى لإيجاد الاستقرار والفرص التي حُرم منها في وطنه.
وصل إلى القاهرة على أمل العثور على وظيفة في مجال الهندسة، الذي قضى سنوات من حياته في دراسته وممارسته، لكن سوق العمل لم يكن سهلًا، فيقول خالد بابتسامة مليئة بالتحدي: «لم أتمكن من العثور على وظيفة في مجالي، فقررت العمل في أي شيء لتأمين احتياجات عائلتي».
بدأ العمل في مقهى صغير، حيث يقضي ساعات طويلة بين تقديم المشروبات وخدمة الزبائن، لم يكن هذا هو العمل الذي حلم به، لكنه كان وسيلته الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، وبقلب راضٍ يوضح: «أشعر بالإرهاق، لكنني ممتن أنني أستطيع تأمين بعض المال لعائلتي، والآن أعمل سمسار عقارات للجالية».
إلى جانب التحديات المهنية، يواجه خالد مشكلات قانونية تتعلق بالإقامة، شأنه شأن العديد من اللاجئين الذين يعيشون في مصر، «التنقل دون أوراق رسمية يزيد من صعوبة الحياة، دائمًا ما أشعر بالقلق من الإجراءات القانونية المعقدة التي قد تؤثر على بقائنا».
خالد لا يخفي شوقه للعودة إلى حياته السابقة كمهندس، لكن الواقع يفرض عليه التكيف مع الظروف الحالية، «أعلم أن عليّ أن أبدأ من جديد هنا، لكن أصعب شيء هو أن تشعر بالعجز أمام عائلتك، أن ترى أنك لا تستطيع تقديم ما يكفي لهم، أحيانًا أشعر أن المستقبل غير واضح، لكنني أعلم أننا في مكان أفضل من السابق».
»» الأمل والصمود.. مصر وطن ثانٍ: كيف يعيد اللاجئون بناء حياتهم؟
في خضم الصراعات والحروب التي مزقت أوطانهم، وجد اللاجئون في مصر ملاذًا آمنًا، فالقاهرة التي تستضيف أعدادًا متزايدة من اللاجئين، تميزت بحفاوة استقبالهم وكأنهم ضيوف بها، ممتدة بأيديها للمساعدة في وقت يحتاج فيه هؤلاء الفارون إلى الأمان والأمل.
رغم الحفاوة التي استقبلت بها اللاجئون، فإن رحلتهم لا تنتهي بوصولهم إلى بر الأمان، يجد الكثير منهم أنفسهم في مواجهة تحديات جديدة، من بينها صعوبة إيجاد فرص عمل مناسبة، والاندماج في المجتمع المصري، والحصول على الخدمات الأساسية، لكن آخرون قرروا كتابة قصتهم بأنفسهم متحدين الصعوبات.
رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها اللاجئون، فإن هناك قصص نجاح تلهم الآخرين، فعندما ذهبنا إلى مفوضية اللاجئين في مصر، أطلعونا على نماذج للاجئين تمكنوا من التأقلم والاندماج في المجتمع المصري، وبدأوا في بناء حياة جديدة.
في مدينة الإسكندرية الساحلية، تعيش اللاجئة السودانية ندى فضل، التي اختارت تحويل محنتها الشخصية إلى قوة دافعة لدعم اللاجئين والمحتاجين، بعد سنوات من معاناة اللجوء، أطلقت مع مجموعة من اللاجئين «مبادرة روح» لتقديم يد العون للوافدين الجدد من السودان وسوريا، وخاصة بعد اندلاع الحرب السودانية في إبريل 2023.
ندى، البالغة 31 عامًا، تعرف جيدًا صعوبة التكيف مع حياة اللجوء، منذ وصولها، شعرت بالعزلة والفراغ بعد أن اضطرت لترك بلدها، ومع انقطاع فرص العمل والدراسة، قررت استغلال مهاراتها التعليمية لتقديم دروس للأطفال اللاجئين، ومعظمهم من سوريا، الذين كانوا يطلبون مساعدتها في حل المسائل الدراسية.
سرعان ما اكتسبت سمعة طيبة في مجتمع اللاجئين، وتدفقت عليها طلبات الدعم من العائلات اللاجئة الأخرى، مما دفعها إلى تأسيس مبادرتها، بالتعاون مع مجموعة من اللاجئين.
حولت ندى وأصدقاؤها شقة من 3 غرف نوم إلى مركز متعدد الأغراض، وأصبح مع مرور الوقت وجهة مهمة لتقديم الخدمات الصحية والنفسية والدعم الاجتماعي، ويتعاون مع الهلال الأحمر المصري الذي يزورهم كل أسبوعين لتقديم الرعاية الطبية والفحوصات المجانية.
تقول ندى: «نعمل كروح واحدة بغض النظر عن أصولنا، سواء كنا سودانيين، سوريين، أو مصريين، ونغطي النفقات من خلال تبرعات تجمعها المجموعة ذاتيًا».
مع تفاقم الحرب في السودان وتدفق آلاف اللاجئين لمصر، بدأت «مبادرة روح» في تقديم المساعدة للوافدين الجدد، فشكّلت ندى وشباب من مجتمع اللاجئين فرقًا لدعم الأسر العالقة في مدينة أسوان الحدودية، أرسلت صديقاتها لتقييم الأوضاع، وأطلقت حملة لجمع التبرعات لتوفير المياه والوجبات للنازحين الذين يصلون إلى الحدود المصرية.
تقول ندى: «جمعنا التبرعات من سكان الإسكندرية، وأرسلناها إلى أصدقائنا في أسوان لشراء العصير والطعام وتسليمها للاجئين».
بجهودها الحثيثة، ساهمت ندى في توفير مساكن مؤقتة للفئات الأكثر ضعفًا، مثل الأطفال وكبار السن، عبر التنسيق مع السكان المحليين، وتحرص على تقديم وجبات ساخنة ومساعدات نقدية، إلى جانب توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين.
لم تكن ندى تتوقع أن يشهد بلدها هذا الكم من العنف والتشريد، جاءت والدتها وشقيقاها إلى مصر للعلاج قبل اندلاع الحرب بأيام، لكن بقية أفراد عائلتها علقوا في السودان، وفي محاولة لمّ شمل عائلتها، أطلقت ندى مجموعة دردشة على "فيسبوك" لتسهيل التواصل بين اللاجئين وأفراد أسرهم المفقودين.
تقول ندى: "تمكنت عبر هذه المجموعة من العثور على أختي الكبرى، ومن خلالها تتبعت بقية أفراد عائلتي، ومع أن بعض أفراد أسرتها تمكنوا من الوصول إلى مصر، إلا أن آخرين ما زالوا عالقين في السودان.
وتوضح: «العطاء جزء من ثقافتنا السودانية، تربينا على مشاركة ما لدينا مع الآخرين، حتى عندما كان الوضع صعبًا علينا، ونحلم بأن يعود السلام إلى السودان يومًا ما، حتى يتمكن اللاجئون من العودة إلى وطنهم بكرامة».
الفرار من الوطن ليس قرارًا سهلًا، فهو يعني ترك العائلة، فقدان الطمأنينة، والتخلي عن مألوف الحياة، لكن بالنسبة لإيمانويل زانجاكو، أحد أكثر من 45 ألف لاجئ من جنوب السودان في مصر، كانت هذه التضحية ضرورة لا مفر منها، بعدما عصفت الحرب الأهلية ببلاده لعقد من الزمن، وأودت بحياة الآلاف، وجعلت من الاستقرار حلمًا بعيد المنال.
وصل زانجاكو إلى القاهرة حالمًا بمستقبل أفضل، وسرعان ما التحق بجامعة عين شمس لدراسة القانون الدولي، لم يكن الجمع بين العمل والدراسة أمرًا يسيرًا، فقد كان عليه توفير سبل العيش لنفسه في ظل غياب أي دعم مالي، ما دفعه أحيانًا للتفكير في ترك الدراسة، لكنه تمسك بحلمه وأدرك أن التعليم هو مفتاح التغيير، ليتمكن من التخرج 2023.
بعد أن عايش بنفسه معاناة اللاجئين وصعوبات الاندماج، قرر زانجاكو أن يكون جزءًا من الحل، أسس منظمة دعم الشباب التطوعية YSVO، وهي منظمة يقودها لاجئون تهدف إلى دعم النازحين وعديمي الجنسية من خلال تقديم المساعدات الغذائية، والدعم النفسي والاجتماعي، فضلا عن تنظيم أنشطة رياضية وورش عمل، تهدف لتعزيز شعور الانتماء والدمج الاجتماعي للمجتمعات المهمشة، الذين فقدوا أوطانهم وبدأوا رحلة جديدة في أرض غريبة.
بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تمكنت منظمة زانجاكو من توسيع أنشطتها وتعزيز قدراتها، وسرعان ما أثارت جهوده اهتمام منظمات دولية، ما أدى لترشيحه للانضمام إلى مجلس الأمم المتحدة الاستشاري للشباب، وفتح له هذا الدور أبوابًا جديدة للتأثير والدفاع عن حقوق اللاجئين، وأصبح صوتًا لمجتمعه وممثلًا لهم في مناقشة قضايا ملحة مثل الاستدامة، تنمية المجتمع، ودعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.
يعمل زانجاكو بحماس من خلال المشاركة في برامج وزارة الشباب والرياضة والمبادرات المجتمعية التي تقودها للشباب المصري، ويرى في تمكين الشباب أداة لتحقيق التغيير، ويؤمن بأن إشراكهم في الأنشطة المجتمعية يمنحهم الفرصة للإسهام في بناء مستقبل أفضل لهم ولمجتمعاتهم.
يقول زانجاكو: «آمل أن أتمكن يومًا من العودة إلى جنوب السودان لأدافع عن شعبي وأخدم وطني»، مضيفًا أن الأزمة في بلاده لا تزال تتفاقم، واستمرار العنف دفع أكثر من مليوني شخص إلى البحث عن مأوى في الخارج.
بالنسبة لزانجاكو، فإن اللجوء لم يكن نهاية المطاف، بل بداية جديدة مليئة بالأمل، وهو يطمح إلى أن يعود يومًا ما إلى جنوب السودان، ليكون جزءًا من إعادة بناء وطنه وخدمة شعبه الذي لا يزال يعاني من ويلات الحرب، وحتى يتحقق هذا الحلم، يواصل العمل بجد في مصر، حيث يسهم كل يوم في تحسين حياة اللاجئين وتعزيز اندماجهم في مجتمعهم الجديد.
قصة المهندس شريف تمثل واحدة من تلك الحكايات التي تجمع بين الألم والأمل، وفي الوقت ذاته تعكس صمودًا وإصرارًا على بناء حياة جديدة، فبعد أن استقر مع عائلته في الإسكندرية، لم يكن أمامه خيار سوى مواجهة الواقع الجديد بكل ما يحمله من صعوبات.
كان يعلم أن طريق العودة إلى السودان محفوف بالمخاطر وغير معلوم الأجل، لذا قرر أن يجعل من هذه الفترة محطة جديدة لإثبات ذاته، فمشروعه الصغير لم يكن مجرد وسيلة لكسب العيش، بل نافذة نحو الحفاظ على كرامته والتمسك بشغفه في تقديم الدعم للمجتمع من حوله.
العمل في مجال غير مألوف مثل بيع المعجنات لم يكن سهلاً على شريف، ولكنه كان مستعدًا لبذل كل جهد لإنجاح المشروع، فقد أدرك أن النجاح لا يعتمد فقط على الخبرة، بل على المثابرة والإصرار، وهو ما استطاع تحقيقه بخلق تجربة تجارية صغيرة جذبت العديد من أبناء الجالية السودانية والمصريين على حد سواء.
تحول مشروع شريف من مجرد متجر للمعجنات إلى منصة لدعم اللاجئين السودانيين في الإسكندرية، لم يكن يهدف فقط إلى تحقيق الربح بل أراد أن يساهم في تمكين اللاجئين الآخرين عبر توفير فرص عمل لهم داخل متجره، ما خلق شعورًا بالانتماء والتضامن داخل مجتمع اللاجئين.
يقول شريف: «رغم أننا أجبرنا على مغادرة وطننا، إلا أنني أؤمن بأن لكل أزمة نهاية، المهم ألا نستسلم»، ورغم أنه لا يزال يطمح للعودة إلى وطنه ذات يوم مع زوجته ووالدته وأبنائه الثلاثة، إلا أنه يركز حاليًا على بناء حياة كريمة لعائلته في مصر، ويأمل أن يستمر في توسيع مشروعه ليصبح مصدر رزق مستدام ودعامة لمجتمع اللاجئين.
مصر «كريمة» تجاه اللاجئين رغم الصعوبات الاقتصادية.. ولم تدخر جهدًا لاستضافتهم وتلبية احتياجاتهم
تسعى مصر، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، إلى تقديم نموذج يحتذى به في دعم اللاجئين والمهاجرين، إذ أظهرت التزامًا كبيرًا بالتعاون مع المنظمات الدولية، وعلى رأسها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. هذا الالتزام يبرز من خلال توفير الحماية والخدمات الأساسية للاجئين من مختلف الجنسيات، وتحقيق شراكات استراتيجية لتلبية احتياجاتهم وتعزيز اندماجهم في المجتمع المصري.
تعاون مثمر بين مصر والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين يعكس التضامن الإنساني والالتزام بقيم حماية اللاجئين، ما يجعل مصر من الدول التي تقدم نموذجًا عالميًا مشرفًا في مجال استضافة اللاجئين ودعمهم، وفي هذا الإطار برزت في الآونة الأخيرة الكثير من التساؤلات المتعلقة بالتحديات التي تواجه اللاجئين في مصر وأبرز المبادرات التي عملت عليها الحكومة المصرية بالتعاون مع المنظمات الدولية من أجل تقنين أوضاع اللاجئين لذلك كان لنا هذا الحوار مع مسؤول الإعلام في مفوضية شؤون اللاجئين في مصر كريستين بشاي.. وإلى نص الحوار.
كيف تصفين الوضع الحالي للاجئين في مصر من حيث الأعداد والتوزيع الجغرافي؟ وهل هناك تزايد في التدفقات خلال السنوات الأخيرة؟
وصل عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية إلى أكثر من 800 ألف من 62 جنسية مختلفة، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف العدد مقارنة بالعام الماضي بسبب النزاعات. يشكل السودانيون النسبة الأكبر حيث وصل عددهم إلى أكثر من 510 ألف يليهم السوريين بعدد أكثر من 159ألفا.
منذ اندلاع الحرب في السودان، ارتفع عدد اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين الذين أكملوا إجراءات التسجيل لدى المفوضية للحصول على الخدمات المختلفة وتقوم المفوضية بتكثيف تقديم المساعدات النقدية وخدمات التسجيل لتلبية احتياجات الوافدين الجدد الأكثر احتياجا، ويتمركز العدد الأكبر من اللاجئين في القاهرة الكبرى ويليها الإسكندرية.
»»» ما هي أبرز التحديات التي تواجه المفوضية في تقديم الدعم للاجئين في مصر؟ وكيف تتعاملون مع تلك التحديات على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والمعيشية؟
نظراً لارتفاع أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء، لجأت المفوضية إلى زيادة قدرتها الاستيعابية لتكثيف عملية التسجيل وقامت بذلك من خلال زيادة عدد الموظفين وتحسين البنية التحتية وتوسيع نطاق عمل خط المساعدة وبالرغم من ذلك قد تستغرق عملية التسجيل شهور مما قد يؤدي إلى تأخر الوصول إلى الخدمات. كما أثر ذلك الارتفاع في الأعداد على تأخر الحصول على الإقامة مما أثر سلباً على تلقي بعض الخدمات مثل التحاق اللاجئين بالمدارس المصرية حيث يشترط الحصول على إقامة سارية.
يواجه الكثير من اللاجئين تحديات مشتركة منها عدم وجود مصدر دخل ثابت ومع التضخم المتصاعد فيصعب عليهم تغطية احتياجاتهم الأساسية. وتشمل التحديات الأخرى، الفرص المحدودة لكسب الرزق وحاجز اللغة لغير الناطقين بالعربية.
»»» كيف تقيمون التعاون مع الحكومة المصرية والمنظمات المحلية في دعم وحماية اللاجئين؟ وما هي أبرز الإنجازات المشتركة في هذا السياق؟
تعمل المفوضية في مصر منذ 1954 بعد أن وقعت المفوضية مع الحكومة المصرية مذكرة تفاهم. ومنذ ذلك الحين، تقوم المفوضية بتوفير خدمات الحماية والتي تشمل كل أوجه التسجيل والتوثيق وتحديد وضع اللاجئ وإعادة التوطين للأشخاص اللاجئين وطالبي اللجوء.
وفي وقت تتصاعد فيه أزمات متعددة في البلدان المجاورة، أظهرت الحكومة المصرية التزامًا واضحًا بتعزيز المعايير الدولية لحماية اللاجئين والتضامن معهم. في نهاية سبتمبر، أطلقت الحكومة المصرية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها المفوضية، والاتحاد الأوروبي برنامجاً مشتركاً في إطار المنصة المشتركة للاجئين والمهاجرين لتلبية الاحتياجات الأساسية في الصحة والتعليم وتعزيز القدرة على الصمود والحماية للاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء في أوضاع هشة في مصر، وكذلك للمجتمعات المضيفة لهم.
ولم تدخر مصر والمجتمعات المحلية أي جهد لاستضافة آلاف اللاجئين وطالبي اللجوء وأظهرت كرماً كبيراً تجاههم على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها.
وتواصل الحكومة منح اللاجئين إمكانية الوصول إلى الخدمات بما في ذلك الصحة والتعليم. فيما يتعلق بالصحة، يمكن للاجئين وطالبي اللجوء من جميع الجنسيات الوصول إلى الرعاية الصحية العامة الأولية والثانوية والطارئة على قدم المساواة مع المصريين كما تم إدراجهم سابقا في المبادرات الصحية الوطنية مثل حملة "100 مليون صحة" والحملات الوطنية لمكافحة شلل الأطفال وغيرها من الحملات الوطنية. كما تقوم الحكومة أيضًا بصياغة قانون اللجوء الذي تسعد المفوضية بدعمه.
»»» ما هي الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحًا للاجئين في مصر؟ وكيف تعمل المفوضية على تلبيتها بالتعاون مع الشركاء الدوليين والمحليين؟
يواجه اللاجئون في مصر العديد من التحديات من ضمنها تلبية احتياجاتهم الأساسية والتي تشمل المسكن والغذاء والمياه والرعاية الصحية والتعليم والدعم النفسي والاجتماعي والمساعدات النقدية. تعمل المفوضية بالتعاون مع الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومجتمعات اللاجئين لتقديم المساعدة والخدمات المختلفة للاجئين وطالبي اللجوء.
»»» كيف تسعى المفوضية إلى تعزيز اندماج اللاجئين في المجتمع المصري؟ وما هي التحديات المتعلقة بالتوظيف والتعليم التي يواجهها اللاجئون؟
تعمل المفوضية مع شركائها من الحكومات والمنظمات الأخرى لتعزيز الاندماج الاجتماعي، ووقعت المفوضية مذكرة تفاهم مع وزارة الشباب والرياضة المصرية في إطار تعزيز التعاون الذي يستهدف الشباب من اللاجئين والمصريين من خلال برامج التدريب والتأهيل من أجل تمكين الشباب من إيجاد فرص عمل.
كما أن هناك برنامج آفاق الذي تموله هولندا مع مؤسسة التمويل الدولية، ومنظمة العمل الدولية، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة لزيادة الوعي بالتحديات التي يواجهها اللاجئون، وتقوم المفوضية بتوفير تدريب للمعلمين وتدعم تجديد المدارس وتوريد المعدات والأثاث وغيرها من الضروريات لمساعدة المرافق المصرية على استيعاب اللاجئين استناداً إلى الاحتياجات التي حددتها الحكومة المصرية.
فى مجال الصحة، تركز المفوضية دعمها على المرافق العامة الأولية في المناطق التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين.
ويواجه الكثير من اللاجئين تحديات مشتركة منها عدم وجود مصدر دخل ثابت ومع التضخم المتصاعد فيصعب عليهم تغطية احتياجاتهم الأساسية. وتشمل التحديات الأخرى، الفرص المحدودة لكسب الرزق وحاجز اللغة لغير الناطقين بالعربية.
»»» كيف تقيّمون التأثير الاقتصادي والاجتماعي لوجود اللاجئين على مصر؟ وهل هناك جهود لتخفيف الضغوط على المجتمعات المستضيفة؟
من الناحية الاقتصادية، يساهم اللاجئون في الاقتصاد المحلي من خلال العمل في مختلف القطاعات، وفتح مشاريع صغيرة، وزيادة الطلب على السلع والخدمات. هذا يمكن أن يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي. أما من الناحية الاجتماعية، فإن وجود اللاجئين يعزز التنوع الثقافي ويثري المجتمع من خلال تبادل الخبرات والثقافات.
لتخفيف الضغوط على المجتمعات المستضيفة، تعمل المفوضية بالتعاون مع الحكومة المصرية والمنظمات الشريكة على تنفيذ برامج دعم متعددة. تشمل هذه البرامج تقديم المساعدات المالية والعينية للاجئين، وتعزيز القدرات المحلية من خلال التدريب والتطوير، ودعم البنية التحتية والخدمات العامة. كما تسعى المفوضية إلى تعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين اللاجئين والمجتمعات المستضيفة من خلال برامج التوعية والمشاركة المجتمعية.
بالإضافة إلى ذلك، تدعم مفوضية اللاجئين الحكومات في جهودها لتعبئة الموارد المالية اللازمة لمواجهة التحديات المرتبطة باستضافة اللاجئين. تعمل المفوضية على حشد الدعم الدولي من خلال الدعوة إلى مزيد من التضامن العالمي وتقاسم المسؤولية بين الدول. يتم ذلك عبر تنظيم مؤتمرات دولية، وإطلاق حملات توعية، والتعاون مع الجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية لتوفير التمويل اللازم. تهدف هذه الجهود إلى ضمان توفير الموارد الكافية لدعم اللاجئين والمجتمعات المستضيفة على حد سواء، وتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة في المناطق المتأثرة.
كيف تتعامل المفوضية مع الأزمات الطارئة مثل تزايد تدفقات اللاجئين بسبب النزاعات أو الكوارث الطبيعية؟ وما هي الإجراءات المتخذة للاستجابة السريعة؟
مثل ما ذكرنا بعد أحداث السودان، لجأت المفوضية إلى زيادة قدرتها الاستيعابية لتكثيف عملية التسجيل وقامت بذلك من خلال زيادة عدد الموظفين وتحسين البنية التحتية وتوسيع نطاق عمل خط المساعدة. كما قادت المفوضية جهود التنسيق المشترك بين وكالات الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة، وذلك لدعم الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية ممن يعبرون الحدود. وتقوم الأمم المتحدة بتسليم المساعدات وتوزيعها من قبل الهلال الأحمر المصري على الوافدين، بما في ذلك المياه مستلزمات النظافة الشخصية وتلك الخاصة بالنساء، والكراسي المتحركة، والمساعدة الصحية والطعام.
»»» ما هي خطط المفوضية المستقبلية لتحسين أوضاع اللاجئين في مصر؟ وكيف تعتزمون التعامل مع التحديات المتوقعة في الأعوام المقبلة؟
تعمل المفوضية على توسيع قدرتها على استيعاب اللاجئين وتعضيض التعاون مع الحكومة والمنظمات الشريكة والجهات المانحة والمنظمات الأخرى من أجل تقديم الخدمات للاجئين واستيعاب الأعداد المرتفعة خصوصاً بعد الصراعات التي تحدث في المنطقة.
»»» كيف تسهم الشراكات الدولية في دعم المفوضية؟ وما الدور الذي تلعبه المنظمات والجهات المانحة في تعزيز جهودكم؟
تعتمد المفوضية بشكل شبه كامل على المساهمات الطوعية من الحكومات وآليات التمويل الجماعي الأمية والمؤسسات الحكومية الدولية والقطاع الخاص. نحن نعمل على مدار السنة لجمع الأموال لبرامجنا والتعامل مع حالات الطوارئ الجديدة عند حدوثها. في بيئة معقدة ذات احتياجات وأولويات سريعة التغير، نعتمد على المانحين لتقديم مساهمات يمكن تخصيصها بأكبر قدر ممكن من المرونة. يتيح لنا ذلك توجيه الأموال إلى حيث تشتد الحاجة إليها، وتوفير الحماية، والمأوى، والمياه، والصحة، والتعليم، وغيرها من الضروريات لملايين اللاجئين، وطالبي اللجوء، وعديمي الجنسية، والنازحين داخليًا في جميع أنحاء العالم.
تولي المفوضية أهمية كبيرة للتعاون مع الشركاء المنفذين والتشغيليين في مصر، ولا سيما تعزيز الشركاء الوطنيين لتنفيذ البرامج أو المشاريع التي توفر الحماية والحلول للأشخاص الذين أجبروا على الفرار، كما تعمل بشكل وثيق مع جامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها لتعزيز مساحة الحماية للاجئين وطالبي اللجوء.
قرارات الحكومة المصرية الخاصة بتقنين أوضاع اللاجئين هامة جداً.. وتحظى بدعم دولي
المهاجرون العاملون بشكل نظامي وقانوني «قوة ضاربة» تفيد الاقتصاد.. و80% من الهجرة غير النظامية تقع في أفريقيا بسبب النزاعات
يخوض العديد من الشباب الأفارقة مغامرة محفوفة بالمخاطر، يغامرون فيها بحياتهم وأحلامهم أثناء عبور الحدود أو أمواج البحر الأبيض المتوسط، بحثًا عن مستقبل أفضل في دول الشمال أو الانتقال نحو القارة العجوز. وبينما يلقى البعض حتفهم في الطريق، يعود آخرون إلى أوطانهم، في حين يدرك من يصلون إلى وجهتهم أن التحديات لا تنتهي بالوصول.
ومع تراجع فرص العمل وضيق الآفاق في أوطانهم، يستمر الملايين في اختيار طريق الهجرة. هذه الظاهرة، سواء كانت منظمة أو غير نظامية، تثير العديد من التساؤلات أمام الحكومات والمجتمع الدولي، إذ تمثل محور جدل بين الدول المصدرة للمهاجرين والدول المستقبلة ذات الاقتصاديات الأقوى. فالهجرة تضع العالم أمام تحديات معقدة تشمل قضايا حقوق الإنسان، والفرص الاقتصادية، وسوق العمل، وهجرة الكفاءات، والتعددية الثقافية، وقضايا الاندماج الاجتماعي.
لفهم القضية أكثر والبحث في أسبابها وطرق معالجتها وتأثيرها على مصر، نلتقي في هذا الحوار مع السفيرة نميرة نجم مدير المرصد الإفريقي للهجرة للاتحاد الإفريقي السفيرة نميرة نجم وإلى نص الحوار...
»»» ماذا نحتاج لتقنين مسألة الهجرة واللجوء في أفريقيا بشكل يجعل هذا الملف ناجحا في استغلال الطاقات البشرية المتواجدة بالقارة؟
بشكل عام الدول المتلقية للمهاجرين واللاجئين وفكرة توفيق أوضاعهم أمر تنادي به المنظمات الدولية بشكل كبير، ليس فقط لتحسين أوضاعهم ولكن حتى تستفيد فعلياً منهم الدول المستقبلة لهم، للعمل على تحويلهم من طاقات تمثل عبء كبير على الدولة إلى قوة مفيدة للمجتمع.
بشكل أوضح متى يكون المهاجر عبء؟
إذا عمل المهاجر غير النظامي خارج منظومة القانون، فيعني ذلك أن الدولة المستقبلة لا تحصل على الضرائب منه، كما أنه سيكون خارج النطاق الرسمي والقانوني للدولة، وهذا يمثل أيضاً عبء أمني واقتصادي، ولكن إذا تم توفيق أوضاعه وتم تسجيله وفقاً لقواعد العمل سوف يتم تحصيل ضرائب منه، وبالتالي سوف تستفيد الدولة منه، وهذا يخفف من العبء الموضوع عليها، وفي النهاية سيكون لديها كافة المعلومات عنه، واسمه موضوع في سجلاتها الرسمية، لذلك يكون تحت الأطر القانونية ومن هنا تكون الدولة لديها القدرة على التعامل معه وتوفير له الخدمات اللازمة مقابل الضرائب التي تتحصل عليها منه.
وكيف يتم مواجهة هذا العبء؟
هناك خطط كثيرة في الدول الإفريقية المتلقية للهجرة للنظر في توفيق أوضاع هؤلاء المهاجرين بالشكل الذي يتناسب مع قواعد كل دولة وقدراتها على استيعابهم حتى يستفيد الجميع من بقائهم بشكل قانوني، اللاجئ قبل الدولة التي ستستفيد أيضاً من وجود هؤلاء المهاجرين باستغلال طاقاتهم البشرية في العمل بشكل نظامي وواضح وقانوني الأمر الذي سيكون قوة ضاربة تفيد الاقتصاد الوطني، وكذلك تفيد المجتمع، حيث يمكن انخراطهم في المجتمع، وبالتالي فأن تقنين أوضاع المهاجرين هي أحد الحلول لإشكالية الهجرة غير النظامية الواجب النظر في كيفية تعظيمها حماية للمهاجرين وتحصيل أكبر استفادة للدول المتلقية.
كيف تصفين تعامل الحكومة مع اللاجئين في مصر وكيف ترين القانون الجديد لتقنين أوضاعهم؟
قرارات الحكومة المصرية فيما يتعلق بتقنين أوضاع اللاجئين هامة جداً للغاية، سوف تحسن من أوضاعهم، كما إنها ستتيح لهم فرصة العمل بشكل قانوني في إطار المنظومة القانونية المصرية، سيسهل حياتهم من جانب، بالإضافة إلى إنها خطوة بلا شك محمومة من الجانب الدولي، لأن مصر ستكون أحد الدول الرائدة في تقنين أوضاع اللاجئين على الرغم من الصعوبات والتحديات التي تواجهها كدولة نامية، لذلك بلا شك فهو أمر إيجابي بالنسبة للدولة المصرية وسيحظى بدعم كبير من المجتمع الدولي والمنظومة الدولية.
لو تحدثينا أيضاً عن مواجهة تدفق اللاجئين إلى مصر لاستمرار قدرة الحكومة على توفير كافة الخدمات لهم؟
سأتحدث عن أفريقيا بشكل عام، وعن مصر بشكل خاص، ما يقدمه المجتمع الدولي من مبادرات مختلفة ومساعدات فعلية لتحسين أوضاع اللاجئين وتوفير احتياجاتهم وفقاً للدولة المتلقية لهم أمر جيد، وهنا يجب نوضح أن الدول المتلقية لهذه الهجرة غير النظامية في القارة الإفريقية ومنها على سبيل المثال مصر، هي دول لديها مشكلاتها الاقتصادية ومشكلاتها التنموية، لذلك فأن المهاجرين الذين يأتون إليها بشكل غير نظامي يضعون عبئاً عليها إذا لم يتم توفيق أوضاعهم أو المعاملة مع الملف بشكل جيد.
نعم يتلقى هؤلاء المهاجرين الدعم من المنظمات الدولية ولكن هذا الدعم يأتي للمهاجرين، وبالتالي يتم دعم المهاجر للحصول على مسكن أو طعام أو تعليم أو صحة بشكل جيد، لكن لا يوازي ذلك مساعدات ودعم كافي من المجتمع الدولي للحكومة ذاتها المستقبلة هؤلاء على أراضيها، رغم أن هؤلاء المهاجرين يستخدمون البنية التحتية ويستخدمون ذات المدارس التي يستخدمها المواطنين، وبالتالي هناك عبء على الدولة المستقبلة لهم فيما يتعلق ببنيتها التحتية وكذلك في استهلاك الخدمات على سبيل المثال الكهرباء والطاقة والخدمات الأخرى وإلى آخره، وهنا يجب زيادة الدعم من جانب المجتمع الدولي، وزيادة الوعي بضرورة أن هذا الدعم مطلوب للدول النامية الإفريقية المتلقية لهذه الهجرة حتى استمرار هذه الدول بتقديم الخدمات على المستوى المطلوب سواء للمهاجرين أو اللاجئين أو للمواطنين، وبالتالي يجب دعمهم حتى يستطيعوا في الاستمرار في تقديم مثل هذه الخدمات إلى جانب الدعم الذي تقدمه المنظمات الدولية إلى المهاجرين مباشرة.
لكن هناك تأثيرات صعبة جدا لهذا الملف على بعض الدول، لو تحدثينا عن كيف تؤثر تدفقات الهجرة غير الشرعية من دول أفريقيا على دول شمال القارة؟
فيما يتعلق بدول شمال أفريقيا فهي في وضع حرج للغاية لأنها في الأصل دول عبور للهجرة غير النظامية، إلا أنها مؤخراً تحولت إلى دول متلقية للهجرة غير النظامية واللاجئين من مناطق النزاعات، كما أيضا يحدث ذلك بسبب التغييرات المناخية وبحث بعض المهاجرين عن ظروف معيشية أفضل وهو ما جعل دول شمال القارة مطالبة بوقف حركة العبور منها إلى أوروبا.
والمثير أنه ليس فقط دول شمال أفريقيا التي تعاني من ذلك، ولكن هناك دول في غرب افريقيا أيضا، حيث يسلك المهاجرين غير النظاميين طريقاً آخر في بعض الفترات للتوجه إلى خارج أفريقيا وخاصة إلى أمريكا اللاتينية ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك كل هذه الدول تواجه مشاكل شبيهة، وهو ما يستدعي ضرورة التصدي للمشكلة من الأساس، من جهة عدم خروج هؤلاء المهاجرين من أراضي دولها بشكل غير نظامي، أو مساعدة الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين لتكون لديها القدرة الاقتصادية لاستيعاب المهاجرين للوفاء بالتزاماتها الاجتماعية.
فهناك بعض المشروعات والمبادرات المقدمة في بعض الدول لتوطين هؤلاء المهاجرين، منها ما تسمح قوانينها لهم بالعمل ومنها من لا تسمح، لذلك كل دولة تتعامل بأسلوب وقواعد مختلفة وفقاً للمبادرات المطروحة داخلها للتعامل مع هذه الأزمة، ولذلك نرى اتفاقات عديدة موقعة بين دول شمال أفريقيا والمناطق الإقليمية المشابهة لها في ظروفها، مع الدول الأوروبية للتقليل من مخاطر الهجرة غير النظامية ومحاولة التصدي لها من جذورها.
وماذا يقدم الاتحاد الافريقي من مبادرات لتخفيف حدة أزمات الهجرة غير الشرعية على المجتمعات الأفريقية؟
فعليا نحن لدينا كم هائل من القوانين الدولية التي تحكم حركة الهجرة، وكذلك التي تتعلق بالهجرة واللجوء، كما هناك بعض الدول التي لديها الرغبة السياسية في تلقي لاجئين ومهاجرين وكذلك تضمينهم ضمن الخطط الوطنية.
وأنا أرى أن المشكلة هو عدم الاستعداد الكافي للهجرة المفاجئة لأسباب مختلفة ما يؤدي إلى كارثة في بداية الهجرة لتدفق عدد كبير من المهاجرين دون معرفة من هم وما عددهم وكيف سيفعلون وماذا يقدمون، ولكن التنظيم لهذه الهجرة هو الذي سيأتي بنجاح في إدارة هذا الملف لاستغلال الطاقات البشرية الإفريقية بشكل كبير وهو أمر ندعو دائماً للعمل فيه مع الحكومات أو المنظمات الدولية قدر المستطاع.
الاتحاد الإفريقي لديه عدد كبير من المبادرات ومنها محاولة تنظيم هجرة العمالة سواء داخل القارة أو من أفريقيا إلى الدول الأخرى، ونحاول كذلك تعزيز تطبيق الأطر الأفريقية لتنظيم الهجرة ولدينا عدد من المبادرات نحاول مع الدول الأعضاء ومع منظمة الهجرة وكذلك المندوبية السامية لللاجئين لتطبيقها في محاولة لتحسين وضع اللاجئين والمهاجرين، وأيضاً لدعم الدول المتلقية لهذا الشكل من الهجرة .
كيف ترين مشكلة الهجرة غير النظامية بشكل عام في أفريقيا؟ وتأثيرها على مجتمعات الدول الأفريقية إيجابا وسلبا؟
من الناحية القانونية كفلت مواثيق حقوق الإنسان حقوق التنقل للبشر، ولكن تنظم هذه الحقوق الدول وفقاً لقوانينها الداخلية، لذلك حينما يدخل فرد أو يهاجر إلى دولة ضد قواعدها نرى إنها هجرة غير نظامية.
فيما يتعلق بمشكلة الهجرة غير النظامية في أفريقيا هناك عوامل عدة لهذه الحركة أكثر من كونها هجرة فقط، نظراً لأنها تأتي لأسباب مختلفة وتصنف لهجرة غير نظامية أو نظامية أو لجوء وفقاً لوضع كل دولة خرج منها المهاجر أو المتحرك، لذلك نرى أن هناك تزايد في الهجرة غير النظامية في أفريقيا، ونحو 80% من هذه الهجرة تقع في القارة الإفريقية بسبب النزاعات والتغييرات المناخية وعدم الاستقرار الداخلي والسياسي في عدد كبير من البلدان الإفريقية حتى اليوم، وهو بلا شك لديه تأثير إيجابي و سلبي في نفس الوقت.
وما هو التأثير الإيجابي والسلبي من وجهة نظرك؟
التأثير الإيجابي بأن الهجرة تأتي بتنوع ثقافي ومختلف في الدول المتلقية للهجرة وكذلك تضيف إلى سوق العمل عدد مختلف من المهارات واليد العاملة في عدد من الدول الإفريقية، أما عن الجوانب السلبية فإن الدول الإفريقية دول نامية وبالتالي يصعب تحمل اقتصادياتها وبنيتها التحتية زيادة عدد السكان بسبب الهجرة بشكل كبير، ومن جانب آخر في بعض البلدان تؤثر الهجرة غير النظامية على أمنها خاصة إذا ما انتقلت قبائل أو أشخاص من عرق معين للتوطين في مناطق تجمع عرق آخر، هذه أمور قد تؤثر سلباً على بعض الدول وهي كلها أمور يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، من جانب آخر من الناحية السلبية أن هجرة العمالة في حد ذاتها خاصة العمالة المدربة حتى بين الدول الإفريقية ستؤدي في بعض الأحيان إلى سد عجز في العمال في بعض الدول وافتقار الجول الأصلية المهاجرين منها لهذه القدرات المدربة وبالتالي يؤثر على سوق العمل من حيث التنمية، هناك مزايا وعيوب للهجرة ولكن الجزء الأكبر في الهجرة غير النظامية أن عدم تنظيمها يؤثر بشكل كبير على اقتصاديات الدول المستقبلة لهذه الهجرة بأعداد كبيرة.
Credits:
خيط حياة.. اللاجئون في مصر بين محنة الحرب والأمل