مقامرة الرحيل.. الشباب المصري بين الغرق وجنان أوروبا كتب: سحر المليجي

حصلت «المصرى اليوم» على جائزة تدريب مؤسسة هيكل للصحافة ونقابة الصحفيين، عن تحقيق «مقامرة الرحيل: الشباب المصرى بين الغرق وجنان أوروبا»، حيث قامت هدايت تيمور، زوجة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، بتسليم الجائزة

التحقيق تم إنتاجه ضمن ورشة صحافة البيانات الأولى، التي نظمتها مؤسسة هيكل للصحافة، ونقابة الصحفيين، تحت عنوان «دورة صحافة البيانات والمحتوى المبنى على الدليل»، وشارك فيها 22 صحفيًا، من مختلف الصحف المصرية

وقد هنأت السفيرة سها جندى، وزيرة الهجرة، «المصرى اليوم» على الفوز بالتحقيق الذي يعد أول قاعدة بيانات عن الهجرة غير الشرعية، وقالت جندى: النماذج المصرية المضيئة لا تنضب في كل المجالات، داخل مصر أو خارجها

وإلى نص التحقيق

واحد من كل 5 مهاجرين وصلوا إيطاليا عام 2022 كان مصريًّا

عاد الشاب محمد عزت حسين، يوم 17 أغسطس، محمولًا على الأكتاف، بعد 63 يومًا من غرقه، بدلًا عن حقائب الهدايا، وآلاف الدولارات التي كان يتمنى أن يحصل عليها بخروجه من مصر

صرخات الألم والصدمة لأمهات قرية كفر عبدالله بمحافظة الشرقية، متشحات بالسواد، لم تكن حزنًا على محمد وحده، بل على فقد 5 آخرين في رحلة اليونان المنكوبة، دون معرفة مصيرهم حتى الآن- رغم توقف البحث عن ناجين. من خلال قصتنا المدفوعة بالبيانات، قمنا بإنشاء قاعدة بيانات حول أعداد المصريين المهاجرين غير الشرعيين، وأعداد المتوفين والمفقودين، عبر أخطر مسارات الهجرة، وتحديدًا مسار «وسط البحر المتوسط» في الفترة من 2019 وحتى 2023

انطلقنا من سفينة اليونان المنكوبة الغارقة 14 يونيو والتى أثارت انتقادات العالم حول خطورة مسار وسط البحر المتوسط

اعتمدنا على مصادر متنوعة منها قواعد البيانات المفتوحة «الفيس بوك»، وأرشيف أخبار «مهاجر نيوز»، وتقارير وزارة الداخلية الإيطالية نصف الشهرية حول حركة إنزال المهاجرين، ومصفوفة النزوح إلى ليبيا، وتقارير وزارات الداخلية والهجرة في مالطا واليونان وقبرص

كما اعتمدنا على تقارير منظمة الهجرة الدولية، ومشروع المهاجرين المفقودين، وتقارير الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود والوكالة الأوروبية للحدود «فرونتكس». وقد رصدنا وصول 37948 مصريًا منذ عام 2019، وحتى يوليو 2023، لإيطاليا وحدها، عبر مسار وسط البحر المتوسط، فيما تأكد وفاة 280 مصريًّا خلال نفس الفترة

المصريون في مقامرة الرحيل

السفيرة سها جندى، وزيرة الهجرة، تؤكد أن الهجرة غير الشرعية ملف شائك بالنسبة لمصر، وتعمل الدولة على خنقها بكل الأشكال، حيث نجحت في إغلاق كل حدودها البرية والبحرية أمام تلك الظاهرة، وإطلاق مبادرات للشباب في القرى الأكثر تصديرًا للشباب وإيجاد طرق شرعية للسفر

ليبيا.. أول الحكاية

تقرير «مصر بلد المنشأ» الصادر عن الاتحاد الأوروبى، يقول إن غالبية الوافدين المصريين إلى أوروبا غادروا عبر القوارب من ليبيا، واتفق معه تقرير «تحليل المخاطر» الصادر عن «فرونتكس» أن نجاح مصر في غلق حدودها البحرية «حول المشكلة» حيث يخرج المصريون إلى دول الاتحاد الأوروبى عبر ليبيا

أحمد الغنيمى الذي نشر صورًا لأبناء قريته «كفر عبدالله» ورقم هاتفه، على بوست قمنا بنشره على صفحة «أبناء مصر في إيطاليا»، يطلب من أسر الضحايا تسجيل أسماء ذويهم ممن ركبوا السفينة، يقول: إن رحلة أبناء قريته بدأت من ليبيا، حيث تم تنظيمها عبر صفحة مهرب ليبى، بمساعدة شركاء مصريين، يجذبون الأطفال والشباب، وبمجرد وصولهم إلى ليبيا، تم اختطافهم من جانب المهرب الذي طالب ذويهم بدفع 40 ألف جنيه لإعادتهم، أو 140 ألف جنيه لاستكمال رحلتهم إلى إيطاليا، مؤكدًا سفر 280 من أبناء القرية منذ بداية عام 2023

مصفوفة تتبع النزوح في ليبيا.. في الفترة من عام 2019 حتى عام 2023

من خلال 26 تقريرًا لمصفوفة تتبع النزوح في ليبيا، رصدنا أعداد المصريين، خلال الـ5 سنوات، مع ملاحظة عدم وجود تقرير «سبتمبر- نوفمبر» 2019. ينفى الدكتور أيمن زهرى، خبير دراسات الهجرة، العلاقة بين وجود المصريين في ليبيا وزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية، مؤكدًا أن ليبيا بلد مقصد للمصريين وبها ما يزيد على 100 ألف عامل مستقر

فيما يؤكد تقرير المنظمة الدولية للهجرة السنوى والمنشور في يناير 2022، أن المصريين قد ينتظرون في ليبيا لفترات من 6 أشهر إلى عامين، وأن خطر الرحلة لا يتوقف فقط عند خطر الهجرة بقوارب غير آمنة، بل لخطر الاحتجاز من قبل ميليشيات تسيطر على أراض داخل ليبيا. وأنه في نهاية مايو 2022، كان هناك ما لا يقل عن 69 مهاجرًا مصريًا في مراكز الاحتجاز، حيث يطالبون بفدية لتأمين إطلاق سراحهم

عمليات الصد والإرجاع

أولى خطوات مواجهة المهاجرين غير الشرعيين المسلحة في البحر، هي عمليات الصد والإرجاع، حيث تقوم قوات خفر السواحل الليبية بإعادة المهاجرين إلى سواحلها، وتقول منظمة العفو الدولية إن خفر السواحل أعادوا نحو 15 ألف شخص إلى ليبيا في الأشهر الستة الأولى من ٢٠٢١، وهو عدد أكثر من المسجل في عام 2020 بأكمله

رحلة الخروج

للهجرة عبر البحر المتوسط، 3 مسارات: «غربى وشرقى ووسط»، أخطرها مسار الوسط والذى صنفته منظمة الهجرة الدولية بالمسار الأكثر دموية، والذى ينتهى بدول إيطاليا ومالطا وقبرص واليونان

عمليات الصد والإرجاع للمهاجرين غير الشرعيين من قبل قوات حرس الحدود الليبية

شبلاق: سفينتنا «ملاذ آمن» لمنكوبي البحر

مع تأكيد المنظمات الدولية خطورة مسار وسط البحر المتوسط، أجرينا حوارًا مع محمد شبلاق، المتحدث باسم سفينة جيوبارنتس التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود والمسؤولة عن إنقاذ المهاجرين غير الشرعيين في هذا المسار. «نعم هناك مصريون على متن القوارب التي ننقذها» هكذا بدأ شبلاق حديثه، قائلًا: لكننا كسيارة إسعاف، لا نسأل المنكوبين في البحر عن جنسيتهم أو دينهم، فقد أنقذت السفينة 3000 شخص منذ بداية عام 2023، رغم احتجازها لمدة 20 يومًا، في إيطاليا

يرى شبلاق أن سفينة الإنقاذ هي الملاذ الآمن، لمنكوبى البحر، حيث يجدون فيها المعاملة الإنسانية التي لم يشاهدوها منذ مغادرة أوطانهم، لافتًا إلى أن الحالات الطبية الموجودة تشمل حالات الحروق وآثار التعذيب لوجود الأشخاص لأيام في البحر دون مياه للشرب وتداخل المياه مع البنزين على القارب، حيث يقدم فريق السفينة الدعم الطبى والنفسى لمن فقدوا ذويهم من أبناء أو إخوة أو فرد من العائلة في ظل وجود الجثث لأيام معهم على المركب

شبلاق يؤكد أن هناك رحلات قد لا يتم رصدها أو إنقاذ المهاجرين عليها، خلال قيام سفن الإنقاذ بعملية الإنزال في شمال إيطاليا، نافيًا إمكانية إعادة إنزال المهاجرين في ليبيا، لاعتبارها دولة غير آمنة، بسبب ما تم رصده من شكاوى المنكوبين في البحر ممن يغادرون ليبيا من معاملة تعسفية وظروف استعباد وتعذيب عاشوها لأشهر وسنين في مراكز احتجاز غير إنسانية

وهناك من تعرضوا لاعتداءات جنسية متكررة وذلك من أجل المطالبة بالأموال ليستطيعوا المغادرة، لافتًا إلى أنه في حالة رصد عمليات الصد والإرجاع في البحر، لقوات خفر السواحل الليبى يتم رصدها وإبلاغ الجهات الدولية بها

عمليات انقاذ منظمة اطباء بلا حدود فى وسط البحر المتوسط

إيطاليا.. أرض الأحلام

أحمد الغنيمى، الباحث عن 3 من أبناء قريته، يقول إن 280 شابًا من قرية كفر العرب بالشرقية وصلوا إلى إيطاليا، منذ بداية العام الماضى، مؤكدًا أن وجهة السفينة المنكوبة قبالة سواحل اليونان كانت إيطاليا

شبلاق الذي كان عينًا على عمليات إنقاذ منكوبى البحر يوضح أن سفينة جيوبارنتس تقوم بعمليات إنزالهم في إيطاليا، باعتبارها ومالطا، دولًا آمنة للإنزال، إلا أن الحكومة المالطية تتجاهل طلبات الإنزال

لافتًا إلى أن الناجين قد يمكثون بـ«جيوبارنتس» لمدة 4 أيام، وأنه لا يمكن للسفينة القيام بأكثر من عملية إنقاذ في الرحلة الواحدة، وذلك بسبب القانون الصادر في بداية 2023 من الحكومة الإيطالية، ولهذا تقدمت منظمة أطباء بلا حدود و5 منظمات أخرى بشكوى إلى المفوضية الأوروبية من أجل مراجعة بنود القانون لكونها تتنافى مع السياسات الأوروبية نفسها والمعاهدات الدولية

وصلت اعداد المصريين في 2022 الاعلى بين السنوات ووصل الى 20542 مهاجر غير شرعي

الفترة من 2019 الى 2023

ويشرح الدكتور أيمن زهرى أسباب تفضيل المصريين الهجرة لإيطاليا، لما يعرف بـ«شبكات الهجرة»، حيث يوجد بها تجمعات للمهاجرين المصريين، فالفرد الواحد يستقبل أبناء عائلته وقريته ويمتهنون مهنته، خاصة أنهم يعملون في مستوى مهنى منخفض، لأن أغلبهم يعانى من عدم التمكن من اللغة. تقول «فرونتكس» إن واحدًا من كل خمسة مهاجرين وصلوا إلى إيطاليا، عام 2022، كان مصريًّا

وهو ما دفعنا لرصد أعداد المصريين عبر 100 تقرير بإجمالى 2 تقرير شهريًا، من 2019-2023، حيث ترصد وزارة الداخلية معدلات الإنزال لحدودها، مع ذكر الدول الـ10 الأكثر من حيث الإنزال. أشارت التقارير إلى وصول 37948 شابًا مصريًا إلى إيطاليا من 2019 وحتى يوليو 2023، في رحلة محفوفة بالمخاطر يحوم حولها الموت في كل لحظة لفترة لا تقل عن 3 أيام

«المصريون يفضلون إيطاليا بسبب قانونها الخاص بالعمل الموسمى»، هكذا يقول الدكتور أمير يونس، رئيس اتحاد المصريين في إيطاليا، لافتًا إلى أن مصر واحدة من جنسيات متعددة، تصل إلى إيطاليا، لكونها بوابة الدخول إلى أوروبا، موضحًا أن عدد أبناء الجالية المصرية المقيمة رسميًا يبلغ 630 ألفًا ويشكلون أكبر جالية مصرية في أوروبا، لافتًا إلى أن ما يميز إيطاليا هو قانون العمل الموسمى، والذى يوفر الفرصة للحصول على إقامة للعمل للمهاجرين غير الشرعيين، حيث يقوم المهاجر غير الشرعى بالتقدم بطلب لجوء إنسانى، يوفر له الوقت للبحث عن «فرصة عمل» تمكنه من تحقيق الحلم بالاستقرار الدائم في إيطاليا

وصل 37.310مصري الى ايطاليا عبر مسار وسط البحر المتوسط

في الفترة من يناير 2019 حتى مايو 2023

مالطا

خبير مصر الدولى بقضايا الهجرة، الدكتور أيمن زهرى، يؤكد عزوف المصريين عن السفر إلى مالطا بسبب صغر حجمها، وتفضيل المصريين اللحاق بشبكاتهم العائلية في إيطاليا. وقد رصدنا حركة إنزال المهاجرين عبر وسط البحر المتوسط في الدولة الأقرب لليبيا وتونس وإجمالى المهاجرين وجاءت كالتالى

عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا الى مالطا

قبرص

عبر تقارير وزارة الداخلية القبرصية، ومعهد البيانات التابع للاتحاد الأوروبى رصدنا حركة إنزال المهاجرين غير الشرعيين، وطلبات اللجوء المصرية مقارنة بإجمالى طلبات اللجوء، مع ضرورة التأكيد على كونها دولة مقصد من جانب مهاجرى وسط وشرق البحر المتوسط

تقدم 1085 مصري بطلب لجوء الى قبرص

خلال الفترة من 2019 وحتى 2022

اليونان

كانت اليونان هي الأقل حظًّا في وجود الإحصاءات، لكننا رصدنا حركة إنزال المهاجرين غير الشرعيين، ووجدنا انخفاضًا في أعداد الإنزال بها، رغم كونها بلد مقصد من جانب مهاجرى وسط وشرق البحر المتوسط

سجل عام 2023 الأقل من حيث استقبال المهاجرين غير الشرعيين فى اليونان بإجمالى 3212 مهاجر

في الفترة من 2016 حتى 2023

طلبات اللجوء المصرية

يوضح تقرير معهد البيانات العالمى أن عام 2022 شهد 18850 طلب لجوء مصرى في 48 دولة، وكانت إيطاليا هي الأولى في أعداد الطلبات لكنها كانت الأقل قبولًا للطلبات مقارنة بباقى الدول. الدكتور أيمن زهرى قال إن طلب اللجوء وسيلة للتحايل للاستمرار في الإقامة في بلد الهجرة، وهى استراتيجية لعدم الإعادة وفرصة للحصول على الجنسية الأجنبية

طلبات لجوء المصرين إلى دول العالم عام 2022

على الرغم من أن إيطاليا كانت أكثر الدول التي لجأ إليها المصريين إلا أنها كانت الأكثر رفضًا لطلبات اللجوء

أعداد المصريين

وصلنا بعد رحلة بحث طويلة إلى أن المصريين هم رابع أعلى جنسية وصلت إلى دول الاتحاد الأوروبى عن طريق الهجرة غير الشرعية منذ بداية عام ٢٠٢٣

كان المصريون في المرتبة الرابعة للجنسيات الأكثر وصولا عبر الهجرة غير الشرعية لدول الاتحاد الاوروبي

وفقًا لبيانات الوكالة الأوروبية للحدود «فرونتكس» فقد وصل أغلبيتهم عبر مسار وسط البحر المتوسط، حيث بلغ عددهم 7381 مهاجرًا من إجمالى 7488 مهاجرًا عبر مسارات البحر المتوسط الثلاثة منذ بداية العام وحتى يوليو

رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة أيمن زهرى يقول إن الأرقام الخاصة بالهجرة غير الشرعية للمصريين مغلوطة، وإن منظمة الهجرة ترصد الأعداد التي تم مشاهدتها، في مقابل آخرين وصلوا دون مراقبة، مؤكدًا أن المهاجرين غير الشرعيين رقم صفرى مقارنة بالمهاجرين من مصر هجرة نظامية، ممن يحصلون على تصريح عمل بالخارج

كان عام 2022 هو الأعلى من حيث هجرة المصريين غير الشرعية وبلغ عددهم 21753 مصري

بعد أن تمكنا من الوصول إلى أعداد المصريين المهاجرين غير الشرعيين، بدأنا رحلتنا لرصد أعداد الوفيات. تحول طريق وسط البحر المتوسط خلال 5 سنوات إلى مقبرة جماعية، وبلغ إجمالى عدد الوفيات والمفقودين منذ 2019، وحتى مايو 2023 نحو 7014 حالات. في سفينة اليونان المنكوبة أعلنت وزارة الهجرة المصرية عن وجود 73 مصريًا، منهم 14 متوفى فيما نفى مسؤول بها وجود إحصائية عن عدد المفقودين، بحجة تخليهم عن أوراقهم الثبوتية وخروجهم بطرق غير شرعية

«علمنا بوجود أبناء القرية على متن السفينة المنكوبة، من خلال الفيس بوك».. هكذا يوضح الغنيمى والذى يقول «نشر المهرب أسماء الموجودين على متن السفينة الغارقة قبالة اليونان، ووجدنا فيها أسماء أبناء قريتنا والقرى المجاورة، لكنه سرعان ما حذف البوست، تاركًا اسم شريكه المصرى لمعرفة أخبار أبنائنا». ورصدنا عبر «بوست الفيس بوك» 155 مصريًا مفقودًا في المركب المنكوب

تتبع أعداد وفيات المصريين

المتحدث باسم سفينة جيوبارنتس يقول إن البحر هو مقبرة للأشخاص الذين يتخذون هذه المخاطرة، لذا لا يمكن تحديد عدد الوفيات، وإنما تقديرها فقط، مؤكدًا أن هناك أشخاصًا يعبرون البحر دون شهود، ولا يوجد من يقدم تقارير عن اختفائهم

ويؤكد مشروع المهاجرين المفقودين على كون تعداد وفيات المهاجرين، معقدة وبها فجوات، لأنها تحدث بعيدًا عن طرق مراقبة جيدة، وفى كثير من الأحيان لا يتم العثور على الرفات، كما أنه قد لا يتم الإبلاغ عن الوفيات أو حالات الاختفاء إلى السلطات في الوقت المناسب

ويتفق معه تقرير «معدلات الوفيات في سياق رحلات الهجرة» في أن البيانات الأساسية عن الوفيات أثناء الهجرة وتدفقاتها تمثل تحديًا كبيرًا لكونها بيانات غير مكتملة، وأن معدلاتها تختلف من عام لآخر

يقول عثمان البلبيسى، المدير الإقليمى للمنظمة الدولية للهجرة: إن العدد المقلق للوفيات على طرق الهجرة يتطلب اهتمامًا فوريًا وجهودًا متضافرة لتعزيز سلامة وحماية المهاجرين، لافتا إلى إطلاق مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في ليبيا لمعالجة الفجوات الموجودة في بيانات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن المشكلة في عدم تطابق البيانات بنسبة 100% حتى في تقارير منظمة الهجرة الدولية نفسها

صاحب كتاب «مقدمة في دراسات الهجرة»، أيمن زهرى، يؤكد أن عدد الغارقين المصريين في رحلة الهجرة غير الشرعية، غير معلوم، وأن عددهم أكثر ممن تأكد موتهم، فالهجرة غير النظامية ظاهرة غير معروف حجمها

البحث عن المفقودين

مع تشكيك المنظمات لدقة البيانات الموجودة، حاولنا الوصول إلى أعداد المصريين المفقودين من خلال برنامج «لم الشمل» التابع لمنظمة الصليب الأحمر، ورصدنا ٤ تقارير منذ 2019 وحتى 2022، مع ملاحظة أن تقريرها لعام 2020 لم يضم «لم الشمل»، وتعمل على البحث عن 6954 شخصًا من مصر في مختلف دول العالم في مقابل العثور على 716 مصريًا، وأنه تم إرسال رسائل بين مصريين في مراكز الإيواء في دول أخرى بإجمالى 673 رسالة

وأكدت المنظمة أن مئات الآلاف من أبناء الشرق الأوسط في عداد المفقودين، على مدار العقود الماضية بسبب النزاعات المسلحة والهجرة والكوارث، ولا يمكن العثور على أرقام دقيقة عن المفقودين

تلقت منظمة الصليب الأحمر26 ألف اتصال تليفوني للبحث عن المفقودين فى مصر

في الفترة من 2018 وحتى 2022

يرى محمد شبلاق أن خطورة مسار وسط البحر المتوسط واعتباره الأكثر دموية، بسبب غياب وجود آلية حكومية للبحث والإنقاذ، فضلًا عن عدد الأشخاص الذين يجدون أنفسهم على مراكب غير صالحة للعبور، وتجاهل بعض الحكومات إغاثات المراكب، ومنع السفن الإنسانية من إجراء أكثر من عملية إنقاذ قبل إنزال الناجين في ميناء آمن، وهو ما يكلف المنظمات الإنسانية خسائر معنوية ومادية وتحد من القدرة على إنقاذ أكبر عدد من الناس الذين يعبرون البحر بحثًا عن حياة كريمة

«غرق مركب»

لجأنا إلى أرشيف أخبار مهاجر نيوز، وهو مشروع تابع لمؤسسة دويتشه فيله، والمتخصص في أخبار الهجرة، للبحث عن وفيات مصرية، واخترنا البحث بجملة «غرق مركب». ظهر نتيجة البحث 56 خبرًا خلال ٥ سنوات، استبعدنا الأخبار البعيدة عن حوادث منتصف البحر، فوجدنا 31 خبرًا، كانت تتحدث عن حوادث غرق سفن أو شهادات الناجين

تناولت الأخبار الحديث عن 26 مركبًا، وبلغ إجمالى عدد الضحايا 584 في مقابل إنقاذ 1571 شخصًا، كانت 9 حوادث قد وقعت عند السواحل التونسية، و4 حوادث عند السواحل الليبية، و3 حوادث قبالة السواحل الإيطالية، وحادث قبالة السواحل اليونانية، وكان 11 حادثًا قد تحركت من تونس، وقد تم تحديد وجهة 16 مركبا إلى إيطاليا

لم تحدد الأخبار المنشورة إجمالى أعداد الركاب في المراكب الغارقة أو جنسيتهم

وفاة 280 مصريًا في 18 حادثًا بالمتوسط

بعد رحلة بحث استمرت لشهرين، والتواصل مع مشروع المهاجرين المفقودين، نجحنا في الحصول على تقرير بحوادث الهجرة اليومية، كان محمد الشاب المصرى، واحدًا من 1866 مصريًا ماتوا أو فقدوا على طريق الهجرة، في 63 حادثًا منذ يناير 2014 وحتى 2 اغسطس 2023

الضحايا ومن تم أنقاذهم من خلال البحث عن "غرق مركب" فى أرشيف الأخبار

لقى 450 مهاجرا مصريا حتفهم أو فقدوا على كل مسارات الهجرة، في 49 حادثًا، من 2020-2023، مع ملاحظة أن عام 2019 لم تسجل وفيات مصرية، منهم 280 مصريًا عبر وسط البحر المتوسط، في 18 حادثًا في مقابل 3967 شخصًا، لم تحدد جنسيتهم في 494 حادثًا

كان اللافت أن مشروع المهاجرين المفقودين لم يسجل وفيات لمصريين خلال يونيو 2023، والذى شهد حادث اليونان، حيث تم تسجيل البيانات بنجاة 104 أشخاص، ووفاة 84، وفقد 512 شخصًا غير محدد الجنسية

بلغ عدد المتوفين والمفقودين 280 مصريا مقارنة ب 3967 من غير محدد الجنسية

الفترة من 2020 الى أغسطس 2023

يقول الغنيمى إن أبناء قريته سافروا بحثًا عن فرصة عمل في ظل موجة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة

وهو ما أكده تقرير البنك الدولى حول الهجرة والتنمية الصادر في نوفمبر 2022، في كون الهجرة تشكل مصدر دخل حيويًا للعائلات التي تقيم في البلدان منخفضة الدخل، فهى تخفف من نسب الفقر وترفع من معدلات التحاق الأطفال بالمدارس وتساهم بتحسين مستويات التغذية

تقول السفيرة سها جندى، وزيرة الهجرة: يسافر الشباب والأطفال بحجة الحصول على فرصة عمل، لكنهم يقعون فريسة لجماعات الجريمة المنظمة، والمشكلة الأكبر أننا رصدنا أن القرى الأكثر تصديرًا للشباب والذين يتم (استعبادهم)، حيث يعملون برواتب تكفى أقل من قوت يومهم بالخارج، يكون فيها السفر «بالعدوى»، فعندما يصل شاب إلى إحدى الدول الأوروبية، يقوم بالترويج لحياته فيها كذبًا، فتصيب عدواه باقى أفراد أسرته وقريته

يؤكد خبير دراسات الهجرة، أيمن زهرى، أنه لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد المصريين المهاجرين غير النظاميين، وأن دوافع السفر واحدة منذ الألفية الماضية رغم زيادة أعداد القرى المصدرة للمهاجرين، متهمًا التركيز الإعلامى على القضية بأنه سبب في انتشارها، بالإضافة للشبكات العائلية المشجعة للهجرة، والفقر والبحث عن مستوى معيشى أفضل

وعن الأسباب القومية للهجرة يوضحها بأنها «زيادة معدلات البطالة وزيادة معدلات الفقر وانسداد الأفق للشباب»، مؤكدا أن الهجرة غير الشرعية ظاهرة خطيرة رغم ضعف أعدادها حيث إنها رقم «صفرى» مقارنة بأعداد المهاجرين المصريين الشرعيين

وهو ما أكدته دراسة لشبكة «الباروميتر العربى»، صدرت في يوليو 2023، وشارك فيها 33 ألف شاب من مختلف الدول العربية، بأن العوامل الاقتصادية وراء سبب إقبالهم على الهجرة، وأن 19% من الشباب المصرى المشارك سيغادرون حتى ولو لم يكن معهم الاوراق الرسمية لذلك

الجهود الحكومية للحد من الظاهرة

السفيرة سها جندى، وزيرة الهجرة تقول: نحن نعمل على خنق ظاهرة الهجرة غير الشرعية، من خلال المبادرة الرئاسية (مراكب النجاة)، وعمل تدريب لأبناء القرى الأكثر عرضة لتصديرها، ليحصلوا على فرص عمل، بدلًا عن تعريض حياتهم للخطر من أجل حلم غالبًا يتحول إلى كابوس

الحلول الدولية

وفى الختام طالب المتحدث باسم سفينة الإنقاذ «جيوبارنتس» بتدخل دولى لحل أزمة الهجرة غير الشرعية، باعتبارها قضية إنسانية، قائلا «نحن لا نطالب بزيادة أعداد سفن الإنقاذ التابعة للجمعيات والمنظمات، وإنما نطالب بتدخل حكومى من دول الاتحاد الاوروبى من أجل سد الثغرة الموجودة في البحر

فنحن كمنظمات نقوم بسد ثغرة تخلى الحكومات الأوروبية عن واجبها في تقديم واجب العون للإغاثة، لإنقاذ عابرى البحر لأنهم أشخاص لا يوجد لديهم سبيل آخر قانونى من أجل الوصول إلى أوروبا غير هذا الطريق المحفوف بالمخاطر