ستموت هنا تمويل الاتحاد الأوروبي خفر السواحل التونسي يرفع أعداد الغرقى في البحر المتوسط

تحقيق: سلمى نصر الدين

في عام 2013، غرق مركب هجرة غير نظامية قبالة سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وغرق 368 مهاجرًا من أصل 500 كانوا على متن المركب، معظمهم من إثيوبيا وإريتريا فروا من الصراع وضنك المعيشة

بعد 10 سنوات، وتحديدًا في 17 يونيو 2023، غرق 500 مهاجرًا، معظمهم من مصر وسوريا وباكستان، كانوا على متن مركب أبحرت من ليبيا في اتجاه إيطاليا ولكن ضلت طريقها وغرقت قبالة جزيرة بيلوس اليونانية، ولم ينج سوى 104 راكب

وصف الحادث الأخير بأنه الأكثر دموية منذ غرق مركب لامبيدوزا في 2013، واتُهم الاتحاد الأوروبي بأن سياسته هي السبب في ارتفاع أعداد وفيات المهاجرين في البحر المتوسط وخاصة في وسط طريقه الذي يوصف بأنه الطريق الأكثر فتكًا بالمهاجرين حول العالم

سياسة الصد الخارجي

وصل في عام 2014 نحو مليون مهاجر غير نظامي إلى الحدود الأوروبية الخارجية، مدفوعين بالأزمات والحروب التي تلت ثورات الربيع العربي وتحديدًا الحرب في سوريا، ارتفاع أعداد المهاجرين الواصلين إلى القارة الأوروبية بشكل غير نظامي، دفع الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات لمنع وصول المهاجرين إلى أراضيه

تبدأ تلك الإجراءات من دول جنوب البحر المتوسط، والتي تعتبر دول منشأ وعبور للمهاجرين غير النظاميين، وهي مصر وليبيا وتونس والمغرب ولبنان وتركيا. عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقات ومد دول جنوب المتوسط بتمويل لصد المهاجرين ومنعهم من الوصول لسواحل أوروبا

تخرج أغلب عمليات الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا من طريق وسط البحر المتوسط، بحسب مشروع المهاجرين المفقودين التابع لمنظمة الهجرة الدولية، خرجت من طريق وسط البحر المتوسط نحو مليون و18 ألف و406 محاولة عبور باتجاه أوروبا خلال الفترة من 2014 وحتى 2024، بينما خرجت من طريق شرق المتوسط 738 ألف و933 مليون محاولة عبور، ومن طريق غرب المتوسط خرجت 214 ألف و 484 محاولة في الفترة نفسها

يركز التقرير على الدعم والتمويل الذي تلقته تونس ولا تزال تتلقاه نظير صد المهاجرين عن عبور البحر المتوسط باتجاه أوروبا وكيف ارتفعت عمليات الصد من قبل خفر السواحل التونسي واتخذت شكل عنيف يتسبب في غرق المهاجرين في مخالفة الاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ البحري

سنموت هنا

خرجت ماريا بصحبة طفلها البالغ من العمر عامًا واحدًا على متن قارب يحمل قرابة 75 مهاجرًا من سواحل صفاقس التونسية باتجاه إيطاليا، تحكي ماريا قصتها قائلة: أنا من الكاميرون. أنجبت عندما وصلت إلى تونس. كان ابني عمره سنة وثلاثة أشهر عندما قررت محاولة عبور البحر المتوسط. كان ذلك في 10 يوليو 2021

صعدت على القارب وربط ابني على ظهري، كان القارب ممتلئ بالمهاجرين، وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات من ابحرنا وصل قارب تابع لخفر السواحل التونسي يحمل على ظهره شخصان. قالوا لنا أننا سنموت هنا. ظننا أنهم يريدون المال، وحاول بعضنا إعطاء بعض المال، لكنهم لم يريدوا المال وكرروا أننا سنموت

تصف ماريا أفعال خفر السواحل التونسي قائلة: اصطدموا بالقارب وتدفقت المياه بالداخل، وبدأ الناس بالصراخ انسحب قارب البحرية وانقلب قاربنا. كانت هناك أمهات لديهن أطفال ونساء حوامل

لقد سقطت في الماء وطفلي على ظهري. أردت السباحة لكن رجلاً أمسك بي ودفعنا تحت الماء حاولت القتال، فسبحت باتجاه القارب مما أدى إلى غرقنا. رأيت الرجل الذي جعلنا نغرق ولم يفعل شيئًا، لقد شاهدنا نموت فحسب

ثم وصل قارب آخر تابع للبحرية، لكن ليس لإنقاذنا. لقد بقوا على مسافة وطلبوا منا أن نسبح باتجاههم للوصول إلى بر الأمان. سبحت مع طفلي الذي شرب الكثير من الماء. ولم أستطع إنقاذه من الموت. لم أرغب في ترك جسده في الماء، خشيت أن تأكله السمكة

الصورة مولدة بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي

كانت ذراعاي تؤلمني، ولم أتمكن حتى من الإمساك بالحبل بسبب الألم في ذراعي، لذلك أمسكت به وأخذت طفلي معي. عندما قبضوا علي، كان لا يزال لدي أمل أنه من الممكن إنقاذ طفلي من خلال الإنعاش عن طريق الفم. ولكن بعد فوات الأوان، مات طفلي. الأطفال التسعة الذين كانوا على متن القارب ماتوا جميعًا، ماتوا في البحر. لقد طلبت جثة ابني لكن [خفر السواحل] لم يعطوني إياها، قائلين إن هذا هو القانون، لذا لا أعرف الآن مكان طفلي. لا أعرف أين دفنوا طفلي. وبعد ذلك بأسبوعين، غرق 24 شخصًا آخر، ولم ينج منهم سوى اثنين، نفس القصة. لقد كنت أعاني من الكوابيس منذ ذلك الحين

بحسب تقرير هاتف إنذار لمساعدة المهاجرين في محنة فإن المناورة التي قام بها خفر السواحل الليبي تجاه المركب التي حملت ماريا وطفلها تسببت في فقدان وغرق قرابة 29 مهاجرًا ووفاة 15 شخصًا، فيما نجا 31 آخرين

ماريا والمهاجرين الآخرين هم ضحايا للدعم الذي تحصل عليه تونس لصد عمليات الهجرة غير النظامية، بحسب تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي، فإن تونس حصلت على دعم مادي خلال الفترة من 2017 وحتى 2021 -بموجب تعاون ثنائي يتضمن مكافحة الهجرة غير النظامية- بلغت قيمته 1.4 مليار يورو يتضمن دعم من صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني لدعم الطوارئ في أفريقيا، كما خصص دعمًا قيمته 334 مليون يورو بين عامي 2021 و2022

يعد الصندوق الاستئماني للاتحاد الأوروبي من أجل أفريقيا الأداة الرئيسية لدعم تونس في مجال الهجرة، حيث تم الالتزام بمبلغ إجمالي قدره 87 مليون يورو بين عامي 2015 و2021، من خلال عقود ثنائية وإقليمية. تذهب غالبية هذه الأموال إلى الإدارة المتكاملة للحدود ومكافحة التهريب والاتجار بالبشر، ودعم تحسين إدارة الهجرة والمساعدة على العودة الطوعية، والحماية والاستقرار المجتمعي، ودعم هجرة اليد العاملة. وسيستمر تنفيذ مشاريعه حتى ديسمبر 2025

بناءً على عمل الصندوق الاستئماني للاتحاد الأوروبي، تم تخصيص 48 مليون يورو لتونس في عامي 2021 و2022 لتعزيز إدارة الحدود / البحث والإنقاذ (35 مليون يورو)، والحماية والتكامل الاجتماعي والاقتصادي (13 مليون يورو)

اتفاقية شراكة ثنائية

وفقًا للاتحاد الأوروبي، في عام 2022 ارتفعت أعداد مراكب الهجرة التي تخرج من تونس اتجاه أوروبا وتحديدًا إيطاليا، قبل 2022 كانت ليبيا هي المركز الرئيسي الذي تخرج منه مراكب الهجرة غير النظامية في ظل الانفلات الأمني وبعد تشديد مصر الرقابة على سواحلها الشمالية، والتي بسببها وفقا لتصريحات المسئولين المصريين على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يخرج مركب هجرة غير نظامية منذ عام 2016

التحول من ليبيا إلى تونس كدولة معبر إلى الاتحاد الأوروبي جعل الاتحاد الأوروبي يطور من التعاون المشترك مع تونس، فوقع الطرفان الاتحاد الأوروبي متمثلًا في إيطاليا وتونس، في يوليو 2023، اتفاقية شراكة بموجبها تحصل تونس على قرابة 100 مليار يورو لمكافحة الهجرة النظامية في البحر المتوسط

لم تصدر أي تفاصيل حول بنود وآليات الاتفاقية، ولكن بحسب بيانات مشروع المهاجرين المفقودين فإن عمليات الصد من قبل خفر السواحل التونسي قد ارتفعت خلال عام 2023، إذ اعترض خفر السواحل التونسي 42 ألف و370 شخصًا في 2023 مقابل 1 ألف و105 شخصًا اعتراضهم في 2016

لم ترتفع فقط أعداد عمليات الصد التي يمارسها خفر السواحل التونسي بل أصبحت أكثر عنفًا وحدة

مناورات خطيرة

بحسب شهادات لمهاجرين حاولوا عبور البحر المتوسط من السواحل التونسية جمعتها المنظمات الحقوقية فإن خفر السواحل التونسي أصبح يمارس مناورات وصفت بأنها خطيرة

وذكر المهاجرون في شهاداتهم بأن خفر السواحل يضرب الأشخاص بالعصي، ويُطلق أعيرة نارية في الهواء أو في اتجاه المحرك، وهجمات بالسكاكين، بالإضافة إلى مناورات خطيرة لمحاولة إغراق القوارب، والمطالبة بالمال مقابل الإنقاذ

وهو ما يتفق مع شهادة عبده، مهاجر نيجيري حاول عبور البحر المتوسط من تونس في أغسطس 2023 - بعد شهر تقريبًا من الاتفاق الموقع بين الاتحاد الأوروبي وتونس- يحكي عبده قصة عبوره البحر المتوسط قائلًا: سافرت من نيجيريا إلى تونس لإيجاد مكان أفضل لمساعدة عائلتي، لكن حين وصلت صفاقس وجدت وضعًا صعبًا، إذ يُعاني المهاجرون من الانتهاكات، لذا حاولت الهروب عبر البحر

محاولة عبور عبده كانت على متن قارب مصنوعًا من الحديد، وعادة ما تكون مراكب الهجرة مصنوعة من الخشب ثم تطورت صناعتها إلى الحديد لتكون أكثر قوة، لكن السلطات التونسية ضيقت على مُصنعي تلك المراكب فأصبحت صناعتها تتم بجودة رديئة تجعل غرقها أسرع

سافر عبده في الظهر بصحبة 31 شخصًا من بينهم فتاة واحدة، وحين حل المساء وصل خفر السواحل التونسي إلى المركب، وبدأوا بضرب المهاجرين بواسطة عصيان طويلة تسببت في إصابة قبطان المركب وركاب آخرين

بحسب عبده فأنه شاهد اعتراض مركبين هجرة أخرين تم اعتراضهم في التوقيت ذاته، واحد منهم صدمه قارب خفر السواحل التونسي حتى سقط الناس في المياه من بينهم أطفال ونساء، يقول عبده: سمعنا صرخات الأمهات الثكلى على أطفالهن

ويُضيف: استدعى خفر السواحل التونسي سفنًا عسكرية أخرى. وجاء ما لا يقل عن 6 طائرات، بالإضافة إلى طائرات هليكوبتر. بدأنا الاحتجاج لأننا لا نريد العودة إلى تونس وبسبب ما شهدناه. رد خفر السواحل بإطلاق النار علينا، وتم دفع أحد الناجين إلى الماء. وتمكن من السباحة عائداً إلى القارب، لكننا كنا خائفين للغاية. لقد علقنا على متن القارب الكبير لعدة ساعات. كنا عطشانين وجائعين ومتعبين. كنا نأمل أن تأخذنا سفينة إنقاذ إلى إيطاليا، لكن في النهاية هبطنا في صفاقس. وهناك لم نتلق أي مساعدة وأجبر خفر السواحل من صور الواقعة بمسح الصور

يُنهي حديثه قائلًا: "تم إرسال التونسيين إلى السجن، بينما سُمح للآخرين بالمغادرة بحرية. لا أستطيع التخلص من الصور التي رأيتها تلك الليلة. أرى أطفالاً يغرقون وأمهاتهم يصرخون... لا أستطيع النوم. أولويتي الآن هي إيجاد طريقة للخروج من هذا البلد في أسرع وقت ممكن"

ترى منظمة هاتف المهاجرين في منحة أن ممارسات خفر السواحل تأتي في إطار التشديد المستمر للضوابط على طولطريق البحر المتوسط من أجل تقليل عدد الوافدين إلى الشواطئ الإيطالية بأي ثمن. بين عامي 2011 و2022، خصصت الدولة الإيطالية لتونس 47 مليون أورو من أجل مراقبة حدودها و"تدفقات" الهجرة تم إنفاق معظم هذه الأموال على شراء زوارق دورية لخفر السواحل التونسي وعلى صيانتها.

كما تدرب ألمانيا كجزء من سياسة الاتحاد الأوروبي خفر السواحل التونسي لتعزيز قدراته على مجابهة الهجرة غير النظامية، بدأت تلك التدريبات التي يقوم بها اتحاد الشرطة الفيدرالية الألمانية في يناير 2023 ويستمر حتى يوليو 2026 بتمويل من الاتحاد الأوروبي يبلغ 13 مليون و500 ألف يورو

نذير شؤم

علق فيليب دام، رئيس قسم الدفاع عن حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، على تمويل الاتحاد الأوروبي لتونس لوقف تدفق الهجرة غير النظامية بأنها تنُذر بالشؤم

وأضاف: تأتي المسارعة بإرسال الأموال بعد ازدياد كبير في عدد القوارب المغادرة من تونس في الأسابيع الأخيرة. يُوضّح ذلك مجددا كيف أن هوس الاتحاد الأوروبي بإغلاق حدوده على حساب إنقاذ الأرواح يتيح لشركائه مثل تونس عدم التعرّض للمساءلة على الانتهاكات التي يرتكبونها، وكذلك الضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على المزيد من المساعدات المالية

وأكد فيليب أن عمليات الإنقاذ البحري أمر حيوي، لكن الاتحاد الأوروبي يُريد بشكل أساسي من الحرس البحري التونسي اعتراض القوارب المغادرة وإعادتها قسرا

وأشار إلى أن هيومن رايتس ووتش وغيرها وثّقوا كيف ارتكب الحرس البحري انتهاكات أثناء وبعد عمليات الاعتراض، منها الضرب، وسرقة ممتلكات الناس، وتركهم هائمين في البحر، ومناورات خطيرة قد تقلب القوارب

بينما قالت أمينة المظالم في الاتحاد الأوروبي، أنه ينبغي للاتحاد الأوروبي ضمان استيفاء تونس للمعايير الحقوقية الأساسية قبل إرسال سنت واحد إلى كيانات ذات سيء في مجال حقوق الإنسان. عدم القيام بذلك يُهدّد بتورّط الاتحاد الأوروبي في المزيد من الانتهاكات الجسيمة والتسبب في معاناة كبيرة

لكن ارتفاع أعداد الاعتراضات الموثقة من منظمة الهجرة الدولية والتي كانت من ضحيتها ماريا وعبده وملايين غيرهم تؤكد على الاتحاد الأوروبي لا يُراعي حقوق الإنسان في اتفاقاته مع الدول